أكرم القصاص

مستقبل ثورة يوليو.. حلقة مهمة من تاريخ متصل لا يمكن محاكمته بقوانين الحاضر

الثلاثاء، 23 يوليو 2019 07:05 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اليوم تكمل ثورة 23 يوليو 67 عاما، وما تزال تفرض ظلالها على الحاضر، وتشغل مساحات موسمية من الجدل، وبالرغم من بديهية محاكمة حدث سياسى فى الخمسينيات من القرن العشرين بقواعد القرن الواحد والعشرين، لكننا ما نزال نرى مناقشات وتقييمات بمعايير اليوم، فضلا عن شيوع طريقة النقاش الكروى بانحياز ات مسبقة، ثم إن هذا النوع من الجدل موجود منذ السبعينيات ويبدو الخلاف بين اطرافه حادا ويصدر كل طرف حكما نهائيا «مع أو ضد». 
 
وتظل النقطة الفاصلة فى النقاش الاستقطابى، هو أن بعض منتقدى يوليو يصورون الواقع فى العهد الملكى على أنه كان جنة على الأرض ويتجاهلون الفوارق والاجتماعية والاقتصادية والانقسام الاجتماعى بين طبقة مترفة، وأخرى معدمة، وفى المقابل يرى قطاع من أنصار الثورة، أن العهد الملكى كان يخلو من أى مميزات. 
 
بينما الواقع أن مصر لم تكن تخلو من طبقة متوسطة واعية، وأن الفترة من ثورة 1919 حتى يوليو 1952 شهدت تطورا اجتماعيا واقتصاديا واتسعت رقعة التعليم الإلزامى والمتوسط والجامعى، بشكل أدى لتشكيل طبقة وسطى كانت هى الرافد الذى اعتمدت عليه دولة يوليو فى بناء المشروع السياسى والاجتماعى، وحتى الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر كانوا من الطبقة الوسطى الذين دخل أبنائهم الكلية الحربية بجهود الوفد وما بعد معاهدة 1936، كما كان تكوين وعى الضباط الأحرار فى سياق الحركة السياسية الثرية فى الثلاثينيات والأربعينيات، بل إن مبادئ فى الإصلاح الزراعى والعدالة والتصنيع ومجانية التعليم، استمدت من أدبيات ومطالبات الحركات الاجتماعية والسياسيين قبل يوليو. 
 
لم يخترع جمال عبد الناصر أفكار الاشتراكية والتنمية المستقلة، كان يترجم الأفكار التى صاغتها نخبة سياسية وثقافية وفكرية واقتصادية للاستقلال والتنمية، ويمكن التعرف على صورة مصر من كتابات طه حسين والمازنى ومصطفى مشرفة، توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، يوسف إدريس، بيرم التونسى، خاصة فى المرحلة بين الحربين الأولى والثانية، وصورة عن حياة  الفلاح والريف من كتابات يوسف إدريس فى «الحرام»، وخيرى شلبى فى «الوسية»، وبالتالى كان قانون الإصلاح الزراعى  استجابة لمطالب اجتماعيه، ونقلت ملايين الأسر من أعماق الفقر إلى سطح الحياة، وكان عبد الناصر يبنى على جهود كبار السياسيين والمفكرين الاقتصاديين، وعلى رأسهم طلعت حرب «أبو الاقتصاد المصرى»، الذى كان أول من لفت النظر وسعى الى تمصير الاقتصاد والصناعة. 
 
توسعت دولة يوليو فى  بناء المدارس والمستشفيات والمساكن وبناء صناعات متنوعة ودعم القائمة منها، وكانت مجانية التعليم أحد أهم مطالب قطاعات عريضة من الوفد والقوى الاجتماعية، وأخذ طه حسين على عاتقه، عند تولى وزارة المعارف، أن يكون التعليم الإلزامى مجانيا، واستكمل عبدالناصر التوسع فى التعليم ما بعد الإلزامى المتوسط والجامعى، وهو ما يراه البعض بداية تدهور التعليم على اساس التوسع فى الكم وإهمال الكيف، لكن الرصد العادل يشير إلى أن التعليم الفنى الصناعى والزراعى كان يمد الصناعة الناشئة بكوادر فنية على كفاءة، وأن التدهور فى الكوادر بدا مع هجرة العمالة إلى الخارج وإهمال التعليم الفنى  مع  تحولات الاقتصاد والسياسة بشكل فوضوى، ثم أن تضاعف السكان أكثر من خمس مرات وبقاء المنشآت الصحية والتعليمية كما هى. 
 
دولة يوليو كانت فى الواقع امتدادا لمساعى ونضال الشعب ونخبته منذ عرابى وحتى الوفد مرورا بمصطفى كامل ومحمد فريد، يوليو حققت نقلات اجتماعية وتعليمية، وحققت تقدما فيما يتعلق بالثقافة والفن، بنت فيه على ما قدمته القوى الناعمة المصرية فيما بين الحربين الأولى والثانية، ولا يمكن تقييم الثورة وآثارها بقواعد ومعايير اليوم وإنما فى زمانها وظروفها، ومع هذا فقد كانت هناك اخطاء فيما يتعلق بالممارسة السياسية، حيث تمت مصادرة السياسة وإلغاء الأحزاب من دون بديل حقيقى،  الأمر الذى خلق فراغا يصعب ملئه، وهو ما اعترف به عبد الناصر فى حوارات ما بعد هزيمة يونيو.   
 
كانت ثورة يوليو حدثا ضخما غير من شكل مصر اجتماعيا واقتصاديا، وامتد تأثيره اقليميا ودوليا، كانت له إنجازات كبيرة وأخطاء كبيرة، ولا يمكن تقييمه بمعزل عن ظروفه الخاصة، ولا يمكن استنساخه أو استعادته، ولا يفترض أن نظل أسرى جدل عقيم بطريقة مشجعى كرة القدم، تخلو من المنطق، نحن أمام حدث ما يزال ساخنا بعد 67 عاما، علينا قراءته من أجل المستقبل وليس الماضى.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة