فى الصورة الذهنية عن المبدعين وكبار المثقفين، أنهم أكثر الناس حرصا على إرساء مبدأ الحرية والعدل، وأنه ذلك الشخص الذى يسعى للتأثير فى الواقع السياسى والاجتماعى، والمنشغل بالأفكار والرؤى الدائم من أجل مجتمع أفضل، ولعل ذلك متماشيا مع تعريف أستاذ علم الاجتماع تشارلز كورزمان عن أن المثقف هو الشخص الذى حصل على تعليم متقدم وهو منتج الثقافة والأفكار أو ناقلها.
أما الصراع العنصرى بأشكاله المتعددة القومى والدينى والطائفى له دوافعه وآثار وقد تقف وراءه مجموعات متطرفة لاتؤمن بمبادئ التعايش ولاتتخذ فى حياتها سلوك الاعتدال سواء ظهر ذلك فى الأفكار والمناهج، ومن هؤلاء كان هناك طائفة مبدعة ومفكرة أخذت كتاباتهما تنحصر فى لغة الانا العنصرية والطائفية أو العنصرية الشخصية وذلك بالانكفاء والتعالى وكأن وجوده كان منزلا، وامتلاكه الحقيقة، متنافيا مع المبادئ الإنسانية السامية.
وإذا كان بإمكان المرء الاهتداء الى آراء كبار الفلاسفة والمبدعين فى علم الجمال و فلسفة الفن من طريق البحث فى ثنايا كتاباتهم فى النظرية الأخلاقية و مقالات عديدة أخرى، إلا أن البعض قد يرى أيضا وجها آخر فى العنصرية ودعم القتل، وكأنها كتابات مفسدين وليس مبدعين.
ديفيد هيوم دعا لقتل الملونين
من هؤلاء الذين كانت لهم آرائهم الفلاسفية والرؤى الفنية الكبيرة، لكنهم دعموا القتل وتبنوا نظريات عنصرية فجة، الفليسوف الاسكتلندى الشهير ديفيد هيوم (26 أبريل 1711 - 25 أغسطس 1776)، فيلسوف واقتصادى ومؤرخ وشخصية مهمة فى الفلسفة الغربية والتاريخ الاسكتلندى)، والتى تبنى موقفا معادى لأصحاب البشرة السمراء، واعتبرهم أدنى المخلوقات، ووفقا لكتاب "فقه التحيز: رؤية معرفية ودعوة للإجتهاد" تأليف عدد من الباحثين، فإن هيوم كان أحد الفلاسفة الذين أسهموا فى رسم خريطة إدراكية لأفريقيا، خاصة بعدما كتب فى إحدى حواشى مقاله "حول السمات القومية": "إننى ميال إلى الظن بأن الزنوج متدنون بشكل طبيعى عن البيض، فنادرا ما سمعنا عن أمة متحضرة تنتمى لهذا البشرة، ولا حى فرد بارز فى نطاق الفعل والتأمل العقلى، وليس ثمة صناع مبدعون بينهم، ولا فنون ولا علوم، ومن ناحية أخرى فإن أكثر الشعوب غلظة وبربرية بين الجنس الأبيض كالألمان القدامى والأتراك الحاليون لا يزال لديهم شىء سام"، ولعل يتبين من رؤية هيوم أنه يستبعد السود من دائرة البشر، ولا يتصور أن يخرج من بينهم مبدعين، ولعل تلك الوضعية التى رسمها أحد أرباب الفكر الغربى، رسمت خريطة فكرية للغرب الأوروبى فى التعامل معالدول الأفريقية فيما بعد وبداية عصور الاستعمار الأوروبى.
كانط: الزنوج لا يستحقون الحياة
الكتاب سالف الذكر يذهب إلى مبدع آخر وفيلسوف آخر له فكره وفلسفته، هو إيمانويل كانط (فيلسوف ألمانى من القرن الثامن عشر (1724 - 1804). عاش كل حياته فى مدينة كونيغسبرغ فى مملكة بروسيا. كان آخر الفلاسفة المؤثرين فى الثقافة الأوروبية الحديثة)، والذى وضع مقارنة هامة بين الجميل والجليل، فى كتابه "ملاحظات حول الجميل والجليل" حيث قال: الشعور الجميل هو شعور مبهج يبعت على الفرح والابتسام، أما الجليل فهو شعور مبهج مصحوب بالخوف والرهبة كأن يقف المرء أمام أمر عظيم فيشعر أمامه بالإعجاب والرهبة، وبعدها يشير "كانط" الذى لم يتحرك أكثر من أربعين ميلا عن المدينة التى كان يعيش فيها: "هذه الخصال الوجدانية الرفيعة على شعوب العالم، يستنتج أن زنوج أفريقيا لا يثيرون فى النفس الإنسانية أيا من المشاعر الراقية، وهذا يجعل التخلص منهم امرا لا تهتز له المشاعر الإنسانية، ومن ثم لا يمكن تجريم ما يفعله المستعمر الأوروبى فى أفريقيا"، كانت تلك الكلمات للفيلسوف الشهير لمحة عابرة من النماذج التى سار عليها نهجها الاستعمار الأوروبى، متبنيا آراء تلك الفلسفة الإدراكية لدى فلاسفة أوروبا.
نيتشه.. أستاذ هتلر
الفيلسوف الألمانى الشهير فريدرك نيتشه، والشهير بكتاباته فى النفعية والفلسفة المعاصرة والرمانسية والحداثة، لكن كثيرا ما حملت أفكارا على أنها كانت الممهدة للفكر النازى، حيث إنه دائما كان يروج أن الجنس الآرى هو أرقى المخلوقات وما دونه فهى مخلوقات متدنية، حتى أن المفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيرى، ذكر فى كتابه "دراسات معرفية في الحداثة الغربية" أن قيم فلسفة كل من نيتشه ودارون ووليام جيمس، تصور للجنس الآرى باعتباره الجنس الأقدر على الصراع والبقاء وذبح الآخرين، ويذكر الدكتور أحمد عبد الحليم عطية، أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة، أن نيتشه كان يرى أن الدولة هى تعبير عن إرادة قوية وأنها المؤسسة التى تستخد لتوزيع القوة، وأن المعيارية السياسية تظهر من خلال هذا، وهذه الدولة هى التى يمكن أن تسيطر على العالم، ويصبح مواطنوها أسياد العالم، وذلك نظيرا لنظريته الشهيرة الإنسان الأعلى وهى الدولة العليا، وبحسب وصف الكاتب فأن النازيون تأثروا بالفعل بفلسفة نيتشه الصراعية العلمانية وأطروحاته الداروينية الأساسية فأسسوا الدولة النازية التى حاولت أن ترشد العالم بأسره وتطوعه وتحوله إلى مادة خاضعة للنماذج المادية والكمية، ونافعة للجنس الآرى، هو الرأى الذى رفضه الدكتور فؤاد زكريا فى كتابه "نيتشه" أن تعصب الفيلسوف الراحل لم يقم عليه أى دليل.
هايدجر
الفيلسوف الألمانى الشهير مارتن هايدجر (26 سبتمبر 1889 - 26 مايو 1976)، كان أحد الفلاسفة الذين اتهم كثيرا من قبل الفلاسفة والمفكرين والمؤرخين بمعاداة السامية أو على الأقل يلومونه على انتمائه خلال فترة معينة للحزب النازي الألماني.
ويذكر الدكتور عبد الوهاب المسيرى، فى كتابه المجلد الثانى"الجماعات اليهودية: إشكاليات" أن هايدجر طرح فكرة المجتمع العضوى الذى يلتحم فيه الإنسان بالطبيعة والآخرين، ومن هنا سمى "فيلسوف الغابة السوداء"، مشيرا إلى أنه كان يرى هتلر أيقظ الإرادة لوجود الدولة، ونصح الشباب بأن تنمو شجاعتهم دائما، لينقذوا جوهر الشعب ولإعلاء القوى الداخلية للشعب فى إطار الدولة التى يتزعمها هتلر.
وبحسب الباحث توم جوردون بالمر، فى مقال ترجمته له المترجمة سارة العنانى بعنوان "هايدجر: فيلسوف النازية والطوائف اليمينية الأخرى"، فأنه من المشهور أن هايدجر انضم علنًا لحزب العمال الألماني الاشتراكي الوطني عام 1933 بعد استيلاء هتلر على السلطة. نظّم وأشرف على المنظمات العسكرية للطلاب وهيئة التدريس، وأصر على الولاء العام لمبدأ القيادة أو الـ Führerprinzip، وأكثر من هذا، بعد الحرب، أنكر أنه كان نازيًا، قدم نفسه كفيلسوف ساذج ومرتبك خاب أمله في الحزب بعد عام واحد فقط، وتراجع إلى نوع من المعارضة الخاصة، ولم تكن لأفكاره أبدًا معانٍ متضمنة في الاشتراكية الوطنية (النازية) ويجب الحكم عليها بشكل مستقل، وما إلى ذلك. كانت كلها أكاذيب كلها.
وبعد الحرب، عندما كانت مسيرته المهنية كلها معرضة للخطر، أنكر هايدجر أنه كان نازيًا أو حتى متعاطفًا، وقال إنه لم يقرأ كتاب «كفاحي» بسبب بشاعة الأفكار التي وجدها فيه، وهو ما كان كذبًا بوضوح.
مارك توين يطالب بإبادة الهنود الحمر
الأديب الأمريكى الكبير مارك توين (30 نوفمبر 1835 ـ 21 أبريل 1910) والمعروف برواياته مغامرات هكلبيرى فين (1884) التى وصفت بأنها "الرواية الأمريكية العظيمة"، كان له موقف عنصرى ودموى تجاه الهنود الحمر، ويذكر الدكتور صديق محمد جوهر، فى كتابه "عربدة الكاوبوى" أن الروائى الشهير تجول فى أنحاء الغرب الأمريكى، وسنحت له الفرصة لمعرفة أحوال الهنود الحمر بصورة مباشرة دون أية وساطة ثقافية أو فكرية، وفى كتابه "أسفار مارك توين" يورد الأديب الراحل مشاهدته ثمة نظرة عدائية للهنود، حيث قال: "كنت أنتظر بفارع الصبر سماع نبأ صدور الأوامر للجنرال كونور للخروج بقواته لسحق أولئك الهنود، لكن صبرى طال دون سماع هذه الأنباء".
كما أنه قدم نصيحة إلى وزير الحرب الأمريكى فى حملة الإبادة للهنود الحمر، التى نقلها لنا قائلاً: «قلت له: إن عليه أن يجمع الهنود كلهم فى مكان واحدٍ ويذبحهم مرةً واحدة وإلى الأبد! وإذا لم توافق على هذه الخطة (!)، فإن البديل الناجع هو الصابون والتعليم (soap and education)، فالصابون والتعليم أنجع من المذبحة المباشرة، وأدوم وأعظم فتكاً.. إن الهنود قد يتعافون بعد مجزرة أو شبه مجزرة، لكنك حين تعَلِم الهندىَّ وتغسلُه، فإنك ستقضى عليه حتماً، عاجلاً أم آجلاً".
ساتر يدعم الصهيونية
من بين الفلاسفة أيضا الذى انتهجوا منهجا معادى للإنسانية، الروائى والفيلسوف الفرنسى الشهير جان بول ساتر، والذى كان له عدة مواقف غامضة تجاه الحرب، كما تبنى موقفا معادى للقضية الفلسطينية وداعم للصهيونية، فبحسب دراسة ومقدمة الدكتور حاتم الجوهرى لكتاب (تأملات فى المسألة اليهودية) للفيلسوف الفرنسى الشهير، كان سارتر يرى أن اليهودية ليست سوى موقف صنعه العالم لليهود من خلال معاملتهم باعتبارهم يهوداً؛ وليس لليهود أى ذنب أو تدخل فى ذلك إطلاقاً، فاليهودية- عنده- موقف يخلقه العالم«الآخرون لليهودى ليس إلا..» مسقطاً عنهم المسؤولية التاريخية كجماعة أو مجموعات وجدت عبر التاريخ، ومعتبراً أن الصهيونية تمثل الموقف المشترك الوجودى الجديد المضاد والحقيقي؛ الذى من خلاله يرد اليهود على موقف الرد فعل والتهميش والقهر التاريخى - من جانب العالم - الذى يصورهم به سارتر.
ربط سارتر فى مغالطة سياسية ومنطقية واضحة بين اضطهاد اليهود فى أوروبا، والحل المتمثل فى الصهيونية واحتلال فلسطين، ربط كذلك بين «الهولوكست» وعقدة الذنب الأوروبية والفرنسية تحديداً، والتعويض الذى اعتبر أن الصهيونية هى الممثل له، وبعد أن ربط بين اليهودية ومعاداة السامية، ثم بين معاداة السامية والحل الصهيوني.. أخذ الأمر لأبعد من ذلك بحيث أصبح رفض الصهيونية، باعتبارها حركة عنصرية واستعمارية يساوى معاداة السامية.
ويتفق ما سبق مع قول الكاتب حلمى محمد القاعود، فى كتابه "الزاهد" حول أن ساتر فى وقت زيارته للقاهرة، حاول البعض أن يدفع الفيلسوف الفرنسى لإعلان تأييده للقضية الفلسطينة، لكنه أخذ موقفا معاديا للعرب، وقت عودته لباريس، ورغم أنه أبدى بعض الأسف لحال اللاجئين فى المخيمات الفلسطينة، لكنه دعم حرب 1967، وعبر عن فرحته بانتصار الكيان الصهيونى واحتلاله القدس، وراح يدعو إلى اكتتاب وجمع تبرعات للغزاة اليهود.