كرة القدم تقوم على الانحياز والعواطف والمبالغة، ومع «الشوشيال ميديا» تتضاعف هذه المشاعر، وتختلط المبالغة مع المزايدة، فمواقع التواصل تضم بشرا بدرجات مختلفة، فيهم الطبيعى وتنوعات من التراكيب النفسية والعقلية، مع نوعيات أخرى من المبالغين والمنفسنين ولجان تلعب دورا مرسوما، وتشبه مواقع التواصل مرايا السيارات فى كونها لا تعرض الصور بحجمها الطبيعى ولكن بتأثير بؤرة المرايا.
نقول هذا بمناسبة الضجة التى ترتفع وتنخفض فى عالم التواصل تفاعلا مع المنتخب الوطنى للكرة، وهى ضجة لا ترتبط فقط بالموقف من أداء الفريق الفنى وما يعانيه من تفكك وضعف فى المباريات، لكن فى حجم الخشونة والتى تصل إلى السب والمعايرة والتهديد والمزايدة المتجاوزة للنقد إلى اللعنات، لدرجة أن أى كلمة أو بوست يكتبه أحد نجوم المنتخب يقابل برد فعل لا يساويه فى المقدار وإنما يبدو أضخم مما ظهر.
كثير من ردود الأفعال الغاضبة من سلوك أحد اللاعبين مفهومة فى سياقها الاجتماعى، وبعضها مبالغ فيه، ولا علاقة له بالحدث بقدر ما له علاقة بمزايدة أو انتقام أو ادعاء مبالغ فيه، والدليل أن القضية غادرت اللاعبين إلى حرب اختلط فيها «الحابل بالنابل والثائر بالمزايد، والناشط بالنائم، والنسوى بالحقوقى»، وبدا الأمر فرصة لاستعراض العضلات البلاغية، والتعبيرات الخشبية، واستعراض من ضمن استعراضات المعايرة المتبادلة التى لاتصل إلى أى شاطئ.
وكان يمكن للحدث كله أن يمر لو بقى فى سياق الجدل الكروى المبالغ بطبعه، لكنه تطور إلى أحد حروب «ناشط والغبراء»، وانقسم المتناقشون إلى فرق وجبهات وشلل تتكلم فى وقت واحد وبصوت مرتفع، وضاعف من الضجيج أن الحدث وكأس الأمم جاء فى ظل استقطاب صنعته جماعة الإخوان التى تحول كل حدث إلى «نحن وهم»، وتبحث عن جنازة تشبع فيها «هريا»، مع أكبر قدر من صناعة الضجيج لدرجة إجبار مستخدمى التواصل إلى المقارنة بين لاعب اعتزل من سنوات ونجم فى قمة تألقه، وهى محاولات تكاد تتكرر كل حين بتمحك وتنطع يخلو من المنطق، لكنه يسود لوجود احتقان ذاتى يجعل البعض مستعدا لتبنى أى موقف «عكننة» يسهم فى تهدئة غدد التنظيم البالونى وقنوات الاحتقان الخارجى.
ووصلت حالة الاحتقان السوشيالاتى، لأن يظهر مخرج حديث العهد، ليهدد فريق المنتخب كله بأنه سوف يخرج فيلما يهاجم فيه الفريق والمواقف والنجوم، وطبعا كان يخاطب الخارج وليس الداخل، وجاء الردع من السوشيال ميديا نفسها واضطر للتراجع أمام انتقادات أشارت إلى مزايدته وتعاليه.
وبالرغم من أن الجمهور دائما له حق النقد والغضب والمحاسبة النظرية، فقد كان المخرج وأمثاله كاشفين عن حالة من الغرور والتعالى تصل إلى حد معايرة اللاعبين، وهى حملات تتجاوز النقد وحق الجمهور إلى تربص مقصود، ضمن حملات «العكننة» المنحازة، والتى تخلط بين السياسة والكرة، لتضر بالاثنين مثلما كان موقف بعض الألتراس ولايزال، حيث يتحول بعضهم إلى أدوات فى الهتاف المصنوع والاستعراض التافه فى المدرجات، وهى مواقف لا علاقة لها بالكرة والتشجيع والتعصب، لكن لها علاقة بتصرفات اللجان والتسييس المقصود، لإفساد المناسبة التى تفرح الجمهور، حتى لو غضب مرات يعود وفيا لمنتخبه.