وطالما نحن فى سياق الحديث عن ظواهر السوشيال ميديا والحيل المبتكرة لجذب الأنظار والمتفرجين لمزيد من الأرباح حتى لو اضطر المستعرض لعمل عجين الفلاحة أو رقصة القرد، وفى المقابل فإن المستخدمين هم من يمنحون الظواهر الطفيلية وجودها ورباحا عندما يتفرجون على الاستعراضات حتى ولو من باب الهجوم.
وهناك نوع من المستخدمين حاضرون فى كل حدث بالمدح أو الذم، تتم استدراجهم للحملات والمعارك بقليل من الطعم، يجرون وراء كل ما هو مثير، ثم يعودوا ليهاجموها ويصبوا غضبهم عليها، ولا ينتاب الواحد منهم أى شك بأنه هو من ساهم فى انتشار هذا البوست وتلك الفضيحة، جريا وزراء زحام وهمى تصنعه السوشيال ميديا نفسها ويستغله طحالب وفطريات التواصل الاجتماعى من محترفى صناعة الفضائح، بحثا عن الشير واللايك أو حتى الشتائم والتى تأتى بالإعلانات ووراءها الفلوس.
آخر نماذج هذه البروبجندا حالة أحمد الافتراضى وزوجته اللذين خرجا فى فيديو انفعالى ليعلن اعتزال السوشيال ميديا، ويصب غضبه عليها والسبب الظاهر أنه تعرض لعمليات هجوم ونهش، لأنه وزوجته نشرا صورا وفيديوهات لطفلهما ولنفسيهما فى أوضاع شخصية، وأعلن الكائن وزوجته اعتزال السوشيال ميديا، باعتبارهما من نجوم العالم الذى سوف يظلم بعد اختفائهما من على وجه الافتراض.
إعلان اعتزال الكائن وزوجته نجح فى لفت نظر كثيرين لم يكنوا يعرفون شيئا عنهما، ولم يسمعوا عن هذا الإنسان وزوجته، وتصوروا أنه نجم فنى أو ثقافى أو استعراضى، وزاد فضول البعض وبدأوا فى البحث عن قصة أحمد وزوجته، ولم يلتفتوا إلى أن فيديو الاعتزال كان مشهدا تمثيليا هدفه لفت مزيد من الأنظار وزيادة عدد الشير حتى ولو بالهجوم والشتيمة، والتى تعود عليهما بالمكاسب.
ويبدو أن الافتراضى وزوجته وجدا أن ابنهما والمشاهد اللافتة والجذابة غير كافية وقرر تنشيط حسابه لمزيد من الفلوس، فكان إعلان الاعتزال، أحد فصول التمثيل بدعوى أنه وزوجته تعرضا لهجوم غير مبرر، واكتشف المتابعون أن الافتراضى وزوجته كل إنجازهما الرهيب أنهما استعملا صورة طفلهما، ثم صور وفيديو لهما فى حمام السباحة، ويبدو أنهما لم يجدا عائدا كبيرا فكان مشهد الاعتزال حيلة لجذب المزيد من التفاعلات.
ويبدو أن عرض صور الطفل أو مشهد حمام السباحة كان يهدف لجذب لايكات وشير أو حتى شتائم، ولا يعرف رواد السوشيال ميديا أن الشتائم مثل المدح تعود بالمزيد من الشير والتفاعل، الأمر الذى يضاعف الدخول والمشاهدة وهو المطلوب حتى لو كانت البضاعة شتيمة، وهو أمر يعرفه الافتراضى وزوجته قبل وبعد قرار الاعتزال.
حالة أحمد ومراته مكررة بين محترفى السوشيال ميديا، حيث إن أكثر المشاهد والتصرفات غرابة ولفتا للنظر وإثارة تأتى لهم بالعائد، وبالتالى فإن الافتراضى وزوجته كانا يعلمان كل هذا، ويبدو تعبيره عن الحزن والغضب مفتعلا، ولاشك أنه سيكون سعيدا وهو يرى بعض الافتراضيين وهم يصدقون اعتزاله فيمدحه بعضهم ويشتمه البعض الآخر، وفى كل الأحوال يربح.
وهذه الظواهر عمرها الافتراضى قصير ويعرف هذا الشخص وزوجته هذا، فيسعيان وغيرهما لتحقيق أكبر مكسب، وما لم يستمروا فى تقديم عروض جديدة كل فترة سينصرف عنهم الجمهور، وبالتالى عليهم ابتكار طريقة مثل الطفل أو مشاهد حمام السباحة أو حتى إعلان اعتزال دراماتيكى، سرعان ما يعودوا منه، ليمارسوا نوعا جديدا من التمثيل يضاعف نسبة المشاهدة بالطريقة الانشطارية.
وإذا كان البعض يشكو من هذه الظواهر الطحلبية الطفيلية، فإن كثيرين ممن يشكون من هذه الطفيليات، يشاركون فى دعم هؤلاء، بالمشاهدة أو حتى الشتيمة والهجوم، لأنها تعنى فلوس، وهناك ظاهرة معروفة على مواقع التواصل من بعض الفضوليين يرسلون نصائح أو أذكار ويطلبون من الفريندز إرسالها مصحوبة بقول «لا تجعلها تقف عندك ارسلها لآخرين».
والواقع أن أفضل حل لمواجهة طحالب وطفيليات السوشيال ميديا هو التجاهل، ووقف التفاعل لا بالخير لا بالشر، هذا لمن يبدون دهشة من انتشار هذه الظواهر ولا يدركون أنهم يساهمون فى انتشارها، والحل أن يمتنعوا عن استهلاك هذه الأصناف الطفيلية الافتراضية.