أكتب من عاصمة الفن والموسيقى "فيينا" التى وصلت إليها قبيل نهاية أجازة عيد الأضحى فى مهمة عمل تتعلق بحلمى الجديد، وهو استكمال إنشاء جامعة العاصمة بمقرها بالعاصمة الجديدة لتمنح درجاتها العلمية فى أحدث التخصصات المواكبة لعلوم وتقنيات الثورة الصناعية الرابعة بالتعاون مع أفضل الجامعات العالمية التى يتم اختيارها أو انتقاؤها بعناية طبقا للفرع العلمى الأكثر تميزا بها.
المهم أن متعة السفر تتجاوز عندى الآن مهمة العمل أو متعة السياحة إلى متعة أكثر إثارة، وهى متابعة هموم السياسة فى أوروبا التى تتناولها وسائل الإعلام بشكل يدفعك إلى التفاعل معها بالرغم من حقيقة ابتعادها عن قضايانا المحلية التى تشعر أحيانا بتضاؤل حجمها عند متابعة قضايا الآخرين، مثل قضية تصدع الاتحاد الأوروبى وتوابع خروج بريطانيا الوشيك منه وأثارها السلبية المحتملة على بقية أعضاء الاتحاد من تعاملات تجارية وجمركية وتشريعية وغيرها من سلبيات "أول حالة طلاق أوربى" لزواج لم يدم سوى 21 عاما من تاريخ عقد القران فى 1992!!! وهو ما سوف أتناوله فى تلك السطور من واقع متابعتى هنا.
منذ تولى رئيس الوزراء بوريس جونسون - الذى امتدحه ترامب بكونه النسخة الإنجليزية له!!- تعهد بإنهاء قضية طلاق بريطانيا من الزواج الأوروبى بحد أقصى 31 أكتوبر المقبل رافعا شعارا حاسما أشبه "بالطلاق أو الموت"!!، "الطلاق باتفاق أو بدون"!! شعارات ووعود وتهديدات كثيرة أثارت وتثير يوميا كراهية وانتقاد أعضاء العائلة الأوروبية الثمانية والعشرين وفى مقدمتها ألمانيا!!، الجديد أن الانتقاد والانقسام امتد أيضا لداخل إنجلترا حتى من المؤيدين للانفصال بعد أن اقترب موعده فى ضوء مخاوف جديدة تم الإفصاح عن بعضها ومازال الجانب الأكبر خافيا، ما تم الإفصاح عنه هو أن "أمريكا ترامب" بدأت تتراجع عن وعودها السابقة بتعويض بريطانيا باتفاقية تجارة مغرية بعد إتمام الطلاق الأوروبى حتى تجدد شبابها الاقتصادى!!.
ولكن يبدو أن وعود ترامب الدافئة بصفقة تجارية مع بريطانيا أشبه بوعوده لنا عن صفقة القرن!!، حيث أرسل الأسبوع الماضى وزير الخزانة الأمريكى السابق إلى لندن للتفاوض حول التفاصيل، فأبدى تحفظات كثيرة عن إمكانية الوفاء بوعود ترامب!!، وبرر ذلك بكساد الاقتصاد البريطانى فى الوقت الحالى وانخفاض قيمة الجنيه الإسترلينى وتوابع مشاكلها الاقتصادية مع شركائها السابقين التى لا تحتملها أمريكا المشغولة حاليا بقضايا أكثر إلحاحا لها لحربها التجارية مع الصين!!، المهم أن وفد المفاوضات الأمريكى أصاب بريطانيا المجروحة الأسبوع الماضى بإحباط قبيل الطلاق مما دفع البعض إلى طلب التمهل وإرسال وزير الخارجية البريطانى إلى ترامب لتذكرته بوعوده، ودفع فريق آخر إلى ترديد كلمات كامل الشناوى رحمة الله عليه بصوت نجاة الصغيرة "ما أحلى الرجوع إليه"!! وبالأخص بعد استبعاد الوفد الأمريكى إمكانية حصول بريطانيا على مزايا اقتصادية مماثلة لما تمتعت به فى زواجها السابق مع شركائها الأوربيين ولا يوجد مبرر لتقديم تنازلات لها.
حالة الارتباك السياسى الحالية فى بريطانيا تصاعدت إلى حد تهديد بعض أعضاء التحالف رئيس الوزراء بطلب الاقتراع على سحب الثقة من حكومته الحافلة بحشد وزراء اليمين المتطرف الكارهين للزواج الأوروبى خلال شهر سبتمبر المقبل، وتهديد آخر باحتمال طرح انتخابات عامة جديدة وتشكيل حكومة جديدة وإلى غيرها من الانقسامات والصراعات السياسية الداخلية التى عبرت الملكة اليزابيث عن استيائها منها الأسبوع الماضى بعد إدراكها لمخاطرها غير المسبوقة فى تاريخ بريطانيا العظمى.
استياء الملكة أثار قضية أخرى انتقلت بالحوار الدائر حاليا فى الإعلام البريطانى والأوروبى من قضية الانفصال عن الاتحاد الأوروبى إلى قضية حق الملكة إليزابيث فى إبداء رأى سياسى!!! والتساؤلات المطروحة حاليا للاستفتاء عليها والحوار حولها.. هل من حق الملكة إليزابيث التى تجاوز عمرها 93 عاما، ملكة بريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية منذ 1952 لم تخالف خلالها (67 عاما ) أصول ومراسم مهامها الشرفية أن تدلوا بدلوها فى السياسة؟؟؟ هل من حق الملكة الإدلاء برأى سياسى فى قضية تتداولها الحكومة ومجلس العموم على الرغم أن الدستور لا يسمح لها بترشيح نفسها للانتخابات أو حتى الإدلاء برأيها فى أعمال السلطة التنفيذية حيث يقتصر دورها على تقديم المشورة والنصح لوزراء الحكومة؟؟ لماذا خرجت الملكة عن صمتها الأبدى المتوارث دستوريا لتدس أنفها فى قضية طلاق بريطانيا ؟؟؟.
أصارحكم القول بأننى مشفق على الملكة إليزابيث ولا أعرف سر تعاطفى معها!!.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة