لاحقت شائعة قصر سلطان مصر، فؤاد الأول، بأن ابنته فايقة «من زوجته الأولى شويكار» ترتبط بعلاقة غير شريفة مع محافظ القاهرة حسين فخرى، ولما نما الموضوع إلى علم والدها، طلب من «المحافظ» أن يتزوجها، لكنه رفض، فعرض الأمر على أخيه محمود فخرى باشا، وأغراه بتعيينه فى منصب مرموق فوافق، حسبما يذكر الدكتور نبيل حنفى محمود فى كتابه «معارك فنية»، مضيفا: «فى ذلك الموقف الذى يفيض بالتناقضات.. أطلق بيرم التونسى زجله الأشهر «البامية السلطانى» فى العدد الأول من مجلة «المسلة» التى كان هو صاحبها ومحررها ومنفذها وموزعها..بدأ زجله: «البنت ماشية من زمان تتمخطر/ والغفلة زارعة فى الديوان فرع أخضر/ تشوف حبيبها فى الجاكتة الكاكى/ والستة خيل والقمشجى ملاكى».. يضيف حنفى محمود: «بلغ بيرم ما يهدف إليه فى البيت التالى: «الوزة من قبل الفرح مدبوحة/والعطفة من قبل النظام مفتوحة».
كان «بيرم» المولود فى الإسكندرية يوم 4 مارس 1893 يساهم بقلمه وأزجاله فى مساندة ثورة 1919، ووفقا لما يذكره هو فى كتاب «المذكرات»: «كان على رأس البلد فؤاد أخو توفيق الذى أدخل الإنجليز إلى مصر، وبدلا من أن يكون راعيا للبلد مسؤولا عن رعيته لم يكن يهمه هو وعائلته سوى نهب خيرات البلد بالمشاركة مع الاستعمار، ولذا لا عجب أن وقف موقفا سلبيا تاما من الحركة الوطنية، أيضا كان فؤاد بن إسماعيل الذى أغرق البلاد فى الديون من أجل نزواته الجنسية، ويظهر أنه أراد تقليد أبيه فى هذه الناحية فتزوج ودماء الناس تسيل فى مصادمات مع الإنجليز وسط إشاعة تقول إنه ما تزوج إلا بعد علاقة غير شرعية بينه وبين من تزوجها «نازلى»، ثم عزز هذه الإشاعة ميلاد ولى العهد فاروق بعد ستة أشهر من الزواج».
يضيف بيرم: «نشرت قصص الفضائح السلطانية فى أزجال ساخرة سميتها قصائد البامية السلطانى والقرع الملوكى والباذنجان العروسى، وكان من يسألنى عما أقصد، أرد عليه: إنها تقليد لنداء باعة الخضراوات فى الإسكندرية الذين كانوا يتفننون فى النداء على بضاعتهم بهذه العبارات».
يذكر محمود: «عندما رزق السلطان أحمد فؤاد مساء الأربعاء 11 فبراير عام 1920 بابنه الأمير فاروق، تناقلت جماهير المصريين ورقة صغيرة عنوانها «المنشور الصغير»، تضمنت تعريضا بمولد الأمير فاروق لأنه- وعلى حد زعم المنشور- حدث قبل تمام سبعة أشهر من زفاف السلطانة إلى السلطان، فتلقف بيرم ما حواه المنشور وصاغه فى زجل ردده الناس فى كل مصر، ولكنه لم ينشر وجاء فيه: «اسمع حكاية وبعدها هأ هأ/ زهر الملوك فى الولد أهو طأطأ/ مالناش قرون كنا نقول مأمأ/ ونأكل البرسيم بالقفة/ سلطان بلدنا حرمته جابت/ ولد وقال سموه بفاروق/ فاروق فاروقنا أمال بلا نيلة/ ودى مصر مش عايزة لها رزيلة».
يؤكد بيرم: «لم يخف قصدى عن الجميع، وأرادت الحكومة أن تقدمنى إلى محكمة الجنايات بالتهمة الكبرى وهى العيب والسب والقذف فى عميد العائلة السلطانية»..يتساءل: «إذا كانت القوانين القائمة عندئذ تحكم بالسجن الطويل على مجرد نقد السلطان، فما بالنا بما يكون الحكم فى هذه التهم وفى محاكم خاضعة للسلطنة؟»..يضيف: «تساءل الجميع: عمن يكون هذا الذى تحدى العائلة الحاكمة ممثلة فى شخص الرأس الأكبر فيها، وهى التى صار الجميع يتملقونها بعد فشل ثورة عرابى أمام تحالف الاستعمار مع تلك الأسرة».
اضطر بيرم إلى استخدام قانون الامتيازات الأجنبية لمواجهة محاكمته، ويوضح: «إذا كان فى مصر حينئذ بلاء اسمه الامتيازات الأجنبية ورثته من عهد الحكم التركى عندما أعطى السلطان سليمان القانونى- وكانت مصر منذ أيام أبيه تابعة لتركيا- الأجانب حق الاحتكام إلى محاكمهم الخاصة التى تطورت إلى المحاكم المختلطة.. أقول إذا كان ذلك البلاء موجودا فى مصر أيام مهاجمتى لرأس العائلة الحاكمة، وكان الأجانب يستخدمون تلك الامتيازات فى استغلال مصر وأهلها، والإضرار بمصالحهم، فقد استعملتها، وكنت أتمتع بها بحكم ما كان من جنسيتى التونسية فى مهاجمة أعداء الله والناس، وتركز هجومى على عميل الاستعمار الأول رأس العائلة الحاكمة».
يقول: «دأبت كل يوم على نشر فضيحة جديدة عن فؤاد وأنصاره، واتصل بى أذنابهم واعدين بالمناصب الكبيرة والخدمات الكثيرة، إذا أنا رجعت عن طريقى، ولكنى رفضت».. وأمام هذا الرفض: «أصدرت الحكومة أمرا إداريا بإبعادى عن البلاد، ورغم أنه كان من حقى المعارضة فى ذلك الأمر، لكن الحكومة العميلة للاستعمار الإنجليزى، قامت بترحيلى إلى تونس».. يؤكد حنفى محمود: «نفى بيرم إلى تونس فى يوم عيد الأضحى 25 أغسطس- مثل هذا اليوم- 1920».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة