لن أتوقف أبدا عن سؤال: هل كانت أمريكا فى حاجة إلى إلقاء قنبلة ذرية على اليابان؟ طوال حياتى أعتبر يومى 6 و9 أغسطس 1945 من أسوأ الأيام التى مرت على تاريخ الإنسانية، منذ أن خلقها الله، فخلالهما تخلى العالم عن إنسانيته تمامًا، وكشفت أمريكا عن وجهها البربرى الأصيل، وألقت قنبلتين ذريتين على مدينتى هيروشيما ونجازاكى اليابانيتين.
كان الجميع يعرف أن ذلك الفعل ليس ضروريا أبدًا، ولا حاجة إليه لإنهاء الحرب، التى كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، لقد كانت اليابان، برأى سياسيين غرب وعسكريين شاركوا فى الحرب، على وشك الهزيمة، بعد تدمير القدر الأكبر من أسطولها ومحاصرتها اقتصاديا، لكنها الرغبة فى السيطرة وفرض القوة، التى كانت تسرى فى الدم الأمريكى فى ذلك الوقت جعلتهم يختارون فعل ذلك، ودفعتهم إلى إلقاء القنبلة الأولى على مدينة هيروشيما التى كانت ممتلئة بمعسكرات الأطفال القادمين من طوكيو، بسبب الغارات والقصف الأمريكى عليها.
بعد وقت قليل صار الجميع يعرف الأسباب الحقيقية وراء ما فعلته أمريكا، فقد كان الرئيس ترومان يريد أن يبرر ما أنفقوه من مليارات الدولارات على هذه القنبلة الذرية، كما أنه أراد أن يسبق الاتحاد السوفيتى فى تحقيق النصر، خاصة بعد أن أعلن الروس خوض الحرب ضد اليابان الضعيفة، ومن ناحية أخرى حتى يخيفهم لأن التوتر بين البلدين قد بدأ، المهم أن كل أسباب أمريكا لإنهاء الحرب بهذه الطريقة لم تكن المحافظة على روح الإنسان جزءا منه، كما ادعى الأمريكيون لتبرير فعلتهم القبيحة.
ولو اطلعنا على مذكرات وتصريحات الكثيرين من المشاركين فى هذه الحرب اللعينة لوجدناهم يؤكدون ذلك، حيث قال الأدميرال «ويليام هالسى»، قائد الأسطول الثالث بعد استسلام اليابان «استعملت القنبلة لأن العلماء كان بين يديهم لعبة جديدة، وأرادوا تجربتها! القنبلة لم تكن فقط غير ضرورية، بل كان إلقاؤها خطأ كبيرًا».
هذا جانب من الموضوع، أما الجانب الأشد خطورة من وجهة نظرى، هو لماذا لم تكتف أمريكا بقنبلتها الأولى المسماه «الولد الصغير» التى أدت إلى احتراق القسم الأكبر من المدينة بفعل موجة الحرارة، التى بلغت أربعة آلاف درجة مئوية تسببت فى موت الآلاف فورًا، أى شيطان صور لهم أن القنبلة الثانية سوف تؤكد نجاحهم، لماذا لم يكن هناك رأى رشيد يقف فى وجه الجنون؟
التاريخ لن يغفر لأمريكا أبدا، حتى لو أبدى اليابانيون تسامحًا ما، فهو تسامح المصالح وتلاقيها، لكن كل إنسان بسيط فى قرى العالم ومدنه، وليس شرطا أن يكون يابانيا، سوف يظل يدين التصرف الهمجى الذى فعلته أمريكا، معلنة نهوض وحش غير قابل للردع، ومهما حاولت هناك أن تبرر ذلك سواء بالأعمال السينمائية، كما حدث فى فيلمها، الذى أنتجته منذ سنوات قليلة «الولد الصغير» أو باعتذار قادتها كما فعل أوباما بزيارته إلى هيروشيما فإن ذلك لن يمحى أبدا العار، الذى لحق بها.