بعد تعليق أعمال البرلمان البريطانى.. كيف يعيد العالم الجديد صياغة مفاهيم الديمقراطية؟.. الغرب يرفع شعار "التمرد ضد الصندوق".. ترامب وجونسون يقودان المشهد السياسى.. والسترات الصفراء تمنحهما الشرعية الشعبية

الأحد، 01 سبتمبر 2019 01:37 م
بعد تعليق أعمال البرلمان البريطانى.. كيف يعيد العالم الجديد صياغة مفاهيم الديمقراطية؟.. الغرب يرفع شعار "التمرد ضد الصندوق".. ترامب وجونسون يقودان المشهد السياسى.. والسترات الصفراء تمنحهما الشرعية الشعبية الرئيس الأمريكى دونالد ترامب وبوريس جونسون
تحليل يكتبه: بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

القرار الأخير الذى أصدره رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، بتعليق أعمال البرلمان، ربما يمثل حدثا استئنائيا فى تاريخ الديمقراطية الغربية، إلا أنه لا يمكن قراءته بعيدا عن التطورات التى يشهدها النظام العالمى الذى يسعى إلى إرسائه قادة العالم الجدد، والذين تجمعهم العديد من المشتركات، وعلى رأسها النبرة الشعبوية، والسعى إلى تقويض أسس الأنظمة القديمة، والتى طالما تشدق بها الغرب باعتبارها أساسا لنظم الحكم بالعالم المتحضر، ليصبح انتهاك النموذج الغربى القائم على الديمقراطية "المعلبة" بالصناديق الانتخابية أساسا لإرساء نظام دولى جديد، ربما لا يشهد اختلافا فى موازين القوى، بالقدر الذى سيشهد فيه انقلابا على مبادئ تحولت إلى قوانين دولية، كان يعد الخروج عنها يوما مروقا على الشرعية الدولية.

ولعل المشهد البريطانى الأخير، لا يمكن قراءته بعيدا عن مشاهد أخرى ربما زخرت بها الساحة الدولية، خاصة فى دول المعسكر الغربى خلال السنوات الماضية، وربما الأشهر الأخيرة، تمثلت فى حالة الخروج عما آلت إليه الصناديق الانتخابية، سواء عبر المظاهرات الشعبية التى شهدتها دولا من أصحاب التاريخ الديمقراطى، للمطالبة بإسقاط الأنظمة القائمة، أو من خلال قرارات تنفيذية سعى خلالها المسئولين إلى إزاحة عقبة البرلمانات المنتخبة ديمقراطيا – وفقا للأسس الغربية – من أمامهم لتحقيق أهدافهم، والتى تبقى انعكاسا لمصلحة المواطن العادى بعيدا عن الحسابات السياسية أو الحزبية، والتى كانت المحرك الرئيسى لماكينة القرارات التى يتخذها مسئولو الدول باعتبارها المؤشر الحقيقى للديمقراطية.

نبض الشارع.. إعادة صياغة مفهوم الديمقراطية فى العالم الجديد

وهنا يمكننا تصنيف الموجة الحالية، فى إطار ما يمكننا تسميته بـ"إعادة هيكلة" مفهوم الديمقراطية، ليصبح نبض الشارع هو المحرك الرئيسى لقرارات القادة، بعيدا عن مسألة التمثيل البرلمانى، والتى تبقى، وإن كانت تمثل انعكاسا لشعبية حزب أو مرشح فى الشارع، محكومة إلى حد كبيرة باتجاهات حزبية، أو مصالح ضيقة لأهداف انتخابية بعينها، ربما لا تحظى بإجماع شعبى، خاصة إذا ما تعلق الأمر بإجراءات تتعلق مباشرة بمصلحة المواطن أو إرادته، وهو ما يتجلى بوضوح فى القرار الأخير والذى اتخذه بوريس جونسون، بتعليق أعمال البرلمان.

بوريس جونسون يعلق أعمال البرلمان البريطانى
بوريس جونسون يعلق أعمال البرلمان البريطانى

القرار البريطانى يرتبط مباشرة بمسألة الخروج من الاتحاد الأوروبى "بريكست"، والتى تعد القضية المهيمنة على الساحة السياسية فى لندن منذ أعوام، حيث تبقى حالة الجدل حولها داخل الأروقة السياسية محل اهتمام الصحف العالمية، حتى أن عددا من كبار الساسة البريطانيين، وأبرزهم رئيس الوزراء السابق تونى بلير، أعربوا عن تحفظهم على الخطوة وتداعياتها المتوقعة، والتى من المفترض أن تكون محسومة، باعتبارها خيار المواطن البريطانى فى صندوق الاستفتاء، وبالتالى فلا مجال للمراوغة سواء من قبل المسئولين أو السياسيين، أو حتى ممثلو الشعب فى البرلمان، والذين بقوا حجر عثرة أمام اتخاذ خطوة الخروج من التكتل الأوروبى فى الأشهر الماضية، عبر اتفاق مع قادة الاتحاد، مما أدى فى النهاية إلى الإطاحة برئيسة الوزراء تيريزا ماى.

ويبدو أن نوايا جونسون العدوانية تجاه أوروبا مثيرة للقلق بصورة كبيرة للبرلمان البريطانى، على الرغم من أن حزبه (حزب المحافظين) يشكل الأغلبية داخله، وبالتالى فكان قراره بتعليق أعماله حتى يزيح من أمامه أحد أكبر التحديات التى من المتوقع أن تواجهه، خاصة إذا ما قرر اتخاذ خطوة الخروج بدون اتفاق كما سبق وأن أعلن.

بريطانيا ليست الوحيدة.. طوارئ ترامب تكشف أكذوبة "ديمقراطية" الصناديق

إلا أن الحالة البريطانية ربما لا تسمح وحدها بتعميم الحالة الدولية الجديد، التى ربما نرصدها بوضوح فى نماذج أخرى، وإن كانت بصور مختلفة، فالرئيس ترامب قد سبقه بإجراء مماثل، وإن كان مؤقتا، فتح به الباب أمام حالة التمرد على السلطة التشريعية إذا تبنت توجها مناوئا لإرادته التى يراها متوائمة مع رغبة القطاع العريض من مواطنى بلاده، وهو ما بدا واضحا فى موقفه من الهجرة، ورغبته فى بناء حائط على الحدود الأمريكية المكسيكية، والتى رفض الكونجرس الأمريكى تمويله، مما دفعه إلى إعلان حالة الطوارئ، حتى يمكنه تجاوز الكونجرس ذو الأغلبية الديمقراطية.

توتر مستمر بين ترامب والكونجرس
توتر مستمر بين ترامب والكونجرس

 الأمر المثير للانتباه هو أن القرار الذى اتخذه ترامب كان محلا للجدل سواء من قبل خصومه الديمقراطيين أو أنصاره الجمهوريين، مما دفعه إلى خطاب المواطن الأمريكى مباشرة، خاصة وأن إدارته تستشعر أن هناك حالة من الرضا بالشارع الأمريكى تجاه توجهها بمحاربة الهجرة غير الشرعية، فى ظل انتشار جرائم التهريب، وتنامى المخاوف جراء الإرهاب.

ولعل المفارقة أن قرار إقامة الجدار العازل شهد قبولا مرتفعا فى استطلاع للرأى أجرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، فى فبراير الماضى، تزامنا مع قرار الإغلاق الحكومى، وذلك بعد شهور قليلة من فوز الديمقراطيين بأغلبية مقاعد الكونجرس فى انتخابات التجديد النصفى، والتى أجريت قبل ذلك بأقل من 4 أشهر، وهو ما يبرز نظرية جديدة تقوم على أن النتائج الانتخابية ربما لا تمثل انعكاسا كاملا لنبض الشارع فى القضايا الحيوية، والتى يراها المواطن العادى "غير المسيس" أولوية قصوى، فى حين لا تراها الأحزاب كذلك لاعتبارات عدة ترتبط بالحسابات السياسية تارة، والأيديولوجيات الحاكمة للأحزاب تارة أخرى.

السترات الصفراء.. تنامى الشعبوية يضفى الشرعية لسياسات القادة الجدد

لم يقتصر الأمر على مجرد قرارات المسئولين التنفيذيين، بينما توسعت حالة التمرد على السلطة التشريعية، لتمتد إلى الشعوب، وهو ما يبدو واضحا فى الحالة الفرنسية، والتى شهدت مظاهرات حاشدة فى الأشهر الماضية، بقيادة حركة شعبية (ليس لديها انتماءات حزبية)، وهى حركة السترات الصفراء، والتى قادت الحراك الفرنسى ضد ما يمكننا تسميته بـ"نتائج الصناديق"، عبر مطالبها، والتى شملت استقالة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، والمنتخب ديمقراطيا فى 2017، بالإضافة إلى حل الجمعية الوطنية (البرلمان الفرنسى).

حل البرلمان الفرنسى أحد أهم المطالب التى رفعتها السترات الصفراء
حل البرلمان الفرنسى أحد أهم المطالب التى رفعتها السترات الصفراء

والمفارقة أن "السترات الصفراء" نجحت فى تحقيق حالة من الزخم السياسى، رغم أنها ليست حركة سياسية، حيث التفت حولها الأحزاب المعارضة فى باريس، وعلى رأسها حزب الجبهة الوطنية، والذى تقوده السياسية الفرنسية مارين لوبان، والتى باركت المطالب التى تقدمت بها الحركة، وهو ما يعكس قوة التأثير الذى باتت تحظى به أدوات السياسة غير التقليدية، والتى تتمثل فى الحركات الشعبوية، بالإضافة إلى ملائمة المطالب مع أهداف الحزب الساعى إلى الوصول إلى السلطة فى بلاده.

من جانبه، شكك مستشار رئيسة حزب الجبهة الوطنية الفرنسية، جان مسيحة، فى حوار خاص أجراه معه "اليوم السابع"، قبل عدة أشهر، فى حقيقة تمثيل البرلمان للشعب الفرنسى وتوجهاته، موضحا أن 3 من منافسى ماكرون فى الانتخابات الأخيرة، حصلوا على 48% من أصوات الفرنسيين فى الجولة الأولى من الانتخابات التى أجريت فى أبريل 2017، فى حين أن نسبة تمثيل أحزابهم فى البرلمان الفرنسى لا تتجاوز 4% من مقاعده، وهو الأمر الذى يمثل تحديا كبيرا للدور الذى ينبغى أن تؤديه السلطة التشريعية، والتى لا يمكنها بهذه الصورة التعبير عن مطالب مختلف طوائف الشعب الفرنسى، وبالتالى كان الشارع هو الملجأ الأخير للمواطنين، وهو ما تجلى بوضوح فى مظاهرات "السترات الصفراء".

 

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة