المونودراما فن من الفنون الدرامية القائمة على ممثل واحد يسرد الحدث عن طريق الحواروكلمة المونودراما Monodrama هي كلمة يونانية تنقسم إلى Mono وتعني (وحيد)، و Drama وتعني (الفعل) بمعنى أن يقوم بتشخيص المسرحية ممثل واحد فقط المسئول عن إيصال رسالة المسرحية ودلالاتها جنباً إلى جنب عناصر المسرحية الأخرى وفن المونودراما كما يراه كل المسرحيين هو أصعب انواع المسرح لما يحمله من تحديات للكاتب وللمخرج وللمثل ايضا .
ويشارك ضمن فعاليات مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي العرض المسرحي المونودرامي " انتحار معلن " تأليف الدكتور سامي الجمعان وإخراج مازن الغرباوي وبطولة مني التلمودي والذي اعتبره نموذجا أمثل لفن المونودراما المسرحية لما يحمله من عناصر فرجة متميزة ولنبدأ بالنص المسرحي الذي كتبه الكاتب السعودي الدكتور سامي الجمعان والذي تناول فيه دراميا حياة الكاتبة والروائية الإنجليزية الشهيرة فرجينيا وولف Virginia woolf، بكل ماعاشته في حياتها من مآسي فقد برع الجمعان في تقديم سرد مشوق دون تعقيد أو تكلّف لقصة تلك الرائدة في المطالبة بحقوق المرأة وبرؤية فكرية تاريخية تمرّر رسائل ومفاهيم وقيم إنسانية نبيلة وتستمر براعة الكاتب ايضا في السلاسة في الحوار والسرعة في الانتقال من حدث لآخر من حكايات البطلة فلا ملل يصيب المتفرج مثلما هو آفة كل عروض المونودراما .
مني التلمودي بطلة العرض المجسدة لشخصية " مي " التي هي "فرجينيا وولف" تقدم شخصية شديدة الصعوبة مصابة بمرض الهوس الإكتئابي ثنائي القطب، الذي كانت تسمع من خلاله ضجيجا وأصواتا في رأسها، مما وضعها تحت ملاحظة زوجها لونارد وولف دائما، نتيجة الانهيار العصبي الذي تعرضت له لأكثر من مرة، حتى أنها كررت محاولات الانتحار للتخلص من حياتها البائسة وتفاصيل كثيرة في شخصيتها تدفع أي ممثلة تقترب من تلك الشخصية إلي الخوف منها ومن تجسيدها الذي يحتاج لدراسة قبلية إلا أن الفنانة التونسية مني التلمودي نجحت في تقديم الشخصية وفي ان تأخذ عيون وقلوب ومشاعر المشاهدين بما قدمته من تقمص وعمق في الاداء والتشخيص لتكون أحد اهم عناصر الفرجة في المسرحية .
يضاف إلي براعة الكاتب وعبقرية الممثلة إبداع المخرج مازن الغرباوي أولا في اختيار الممثلة التي تعبر عن رؤيته الإخراجية فاختيار ممثلة لتقديم مسرحية مونودرامية أمر صعب للغاية لكنه كان موفقا في الاختيار وثانيا نجح في تعميق العلاقة بين الممثلة والمتلقي ليتماهي معها ويتعاطف مع حياتها البائسة بتقديم لوحات مسرحية وسردا تاريخيا من خلال صور تعبيرية وبصرية تترجم قصتها بإيقاعات غير مملة فشابوه للمخرج خاصة أنها تعد التجربة الإخراجية الأولي له في فن المونودراما وهو الاصعب في الإخراج المسرحي .
وإلى جانب المبدعين الثلاثة ( المؤلف والمخرج والممثلة ) هناك مبدعين آخرين خلف الخشبة أولهما الموسيقار الدكتور طارق مهران الذي صاغ موسيقي تعبر عن حالات شخصية البطلة وتشكل حالة اندماج وانسجام مع الحوار تكاد لا تسمع الموسيقي ولا تشعر بوجودها لكونها اصبحت جزء مدمج مع الحوار ومن النص وكذلك بقية فريق العمل فالإضاءة التي صممها عز حلمي نقلتنا من حالة إلي حالة ومن مكان لآخر وكانت أحد عوامل التميز في العمل المسرحي مثلها مثل أزياء مروة عودة التي صممتها للبطلة لتعبر عن حالاتها المتناقضة وأيضا الديكور كان بسيطا مزج فيه مصممه رضا صلاح ما بين الواقعي والخيالي واستخدم ألوان تعبر عن حالة البطلة التي تحمل القهر والاضهاد والفرح والسعادة أما استخدام "الفيديو بروجيكتور" للانتقال من مشهد لآخر برغم أنه كان يفصل المشاهد عن الحالة التي يتعايشها مع البطلة أحيانا إلا أنه تم استخدامه تقنيا دون الأخطاء المعتادة في كل العروض التي تستخدمه فالعرض كان منضبطا تمام وهذه ميزة نفتقدها كثيرا في عروض المونودراما العربية .
في النهاية نحن أمام عمل إبداعي أفضل ما يميزه أيضا التعاون العربي الخلاق الذي خرج من خلاله العرض وهو "رَابِطَةُ الإنتاج المَسْرَحي العَرَبي المُشْتَرك ATPA والشراكة المسرحية العربية المُستدامة التي تَسْتَهدف إنتاج الأعمال المسرحية وتسويقها وإنتاج عروض مسرحية عربية مشتركة، يتظافر في إنتاجها المسرحيون العرب من مختلف الدول العربية، بغرض تفعيل الجانب الوحدوي العربي عبر مجال المسرح.
تحية أخيرة لصاحب فكرة المشروع الدكتور سامي عبداللطيف الجمعان من المملكة العربية السعودية ولكل المشاركين فيه وهو بالمناسبة كما علمت قائم على أفراد بصفتهم الشخصية، يؤمنون بدور المسرح في تفعيل الشراكات فيما بينهم، ويثقون بفاعليته في تحقيق وحدة إبداعية عربية مشتركة، تتخذُ من الفن المسرحي فضاءً حيوياً موحداً، يقوم على الشراكة الفعلية في إنتاج العروض المسرحية، عبر تعاضد الفنانين المسرحيين العرب على اختلاف تَخَصصاتهم المسرحية، بحيث يمثلون دولهم العربية لا مؤسساتهم الخاصة، محققين من خلال هذه الشراكة أهدافا سامية تصب في بلورة الوحدة العربية عبر مجال المسرح وفنونه.