خلق عصر التواصل الاجتماعى ظواهر لافتة للنظر يسود فيها الاستعراض على الفعل، وخلق ظاهرة المحامى والنائب الصوت والضوء، حيث يعجز بعض السادة المحامين عن الدفاع عن قضاياهم أمام المحاكم، لكنهم يمارسون مرافعاتهم على صفحات مواقع التواصل أو شاشات الفضائيات، ونفس الأمر فيما يتعلق بعدد من نواب مجلس النواب، ممن يتواجدون على فيس بوك وتويتر أضعاف تواجدهم فى البرلمان مكانهم الطبيعى، والنائب بدلا من ممارسة دوره فى حضور الجلسات وطرح وجهات نظره فى قضايا وتشريعات، فإذا به يكتب آراءه على صفحته الخاصة فى «فيس بوك» أو يسعى للبقاء أطول فترة ممكنة على الشاشات الزرقاء.
وحتى لا نطرح كلاما مرسلا فقط، يمكن اكتشاف كل هذا من مراجعة إحصاءات الحضور والغياب للنائب خلال دورات انعقاد البرلمان، حيث نكتشف أن النائب غاب عن ثلاثة أرباع الجلسات ومع هذا فقد حضر فى فيس بوك وفى «واتس آب» حيث يحرص على تقديم نفسه والكلام عن جهوده فى طرح ومناقشة القضايا نظريا فى رسائل «واتس آب».
وخير مثال على هذا النموذج النائب تامر الشهاوى، نائب «مدينة نصر»، الرجل حاضر بقوة وطوال الوقت على مواقع التواصل، لكنه غائب عن جلسات البرلمان بشكل أكثر استمرارية.
وبعد انتهاء دور الانعقاد الرابع لمجلس النواب، طبيعى أن يبدأ الناخبون جرد كشوف حساب السادة النواب، وطبعا نواب الصوت والضوء مارسوا نشاطهم على مواقع التواصل، ومنهم النائب تامر، الذى يبدو أنه اكتشف أن سجله فى الحضور بالمجلس ضعيف، فقرر أن يبدأ حملة إعادة تعويم، من خلال مواقع التواصل، لأنه يظن أن هذه المواقع يمكن أن تعوض الغياب وتجعله يتحدث ويتكلم عن إنجازاته الافتراضية، باعتبار أن أحدا لا يراجع ولا يتابع.
السيد النائب تحول إلى ناشط فيسبوكى، تويترى، عميق، يعلن عن أنشطته البطولية فى طرح ومناقشة أكثر القضايا أهمية، وهو يعرف اقتراب الانتخابات، وعليه أن يقدم نفسه أمام ناخبيه باعتباره نجما من نجوم العمل البرلمانى.
اللافت والمثير بالنسبة لنشاط السيد العضو تامر، أن أرقام الجلسات وإحصائيات مجلس النواب تكذب الغطاس والنائب الغائب عن أداء واجبه البرلمانى، ومن بين 244 جلسة لمجلس النواب، حضر السيد النائب تامر 61 جلسة، وغاب عن 183 جلسة، وهى نسبة حضور تكشف أنه ربما لا يرى فائدة لحضور الجلسات ولا الكلام والعمل أمام البرلمان، لكن ما هى الظروف القاهرة التى تمنع النائب من حضور الجلسات؟
طبعًا، ربما تكون هناك بالفعل ظروف خاصة أو عامة، أو أن السيد النائب مثلا يفكر فى هموم أهالى دائرته، ولا ينام الليل ولا النهار، حتى يطمئن على حل مشكلاتهم وتلبية مطالبهم، وهنا تكون حجة الغياب عن المجلس مقبولة، لكن السبب الخطير لغياب السيد النائب عن جلسات البرلمان، هو وجوده المستمرعلى صفحات فيس بوك وتويتر وانشغاله بإرسال رسائل واتس آب يؤكد فيها أنه يعمل ويخصص كل وقته للقضايا الخطيرة.
ثم إن النائب تامر يواجه انتقاد غيابه عن أداء دوره البرلمانى بحملات على صفحته الزرقاء، يشيع أن هناك حملات لاستهدافه والتشويش على إنجازاته، والتى هى مجرد بوستات وتويتات، يقسم فيها أنه مستهدف لمجرد أنه يطالب بتطوير الإعلام، وهى المرة الأولى التى نعرف فيها أن تطوير الإعلام يتم على طريقة النائب تامر بالبوستات والتويتات وبشكل افتراضى سهل.
ويبدو أن السيد النائب تامر الشهاوى يفضل دور الناشط على دور النائب، وهو دور سهل لا يكلف الشخص أكثر من جهاز موبايل أو لاب توب، وكيبوورد صالحة للاستخدام، ليمارس الدعاية على الناشف ومن دون جهد، ويحل كل القضايا ويظهر فى صورة الفارس المغوار المشغول بحل قضايا الإعلام مع أنه لا يحضر جلسات مجلس النواب ليشرح لها عن خططه العميقة لإصلاح الإعلام، وهى خطط يبدو أنها سرية، لأنه لم يقدم أى تصور يشير إلى أن لديه تصورات أو خططا لإصلاح الملفات التى يتحدث عنها.
خلاصة الأمر، أن السيد النائب ترك مهامه البرلمانية وتفرغ لمهامه الافتراضية، وبدلا من الطلبات يقدم بوستات، وبدلا من الأسئلة وأدوات العمل البرلمانى يكتب تويتات، ويراهن على أن الناخبين سوف يهتفون بحياته بناء على البوستات والتويتات ورسائل الواتس آب، ناسيا أو متناسيا أن مشكلات الناس على الأرض، ومناقشتها أهم مهام النائب، ومكانه هو البرلمان وليس العالم الافتراضى الزائل، الذى يجمع منه لايكات، لكنه لا يحل مشكلات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة