فى الوقت الذى يرى فيه قطاع كبير من المتابعين أن صعود مرشحى الرئاسة التونسية قيس سعيد، ونبيل القروى إلى جولة الإعادة فى الانتخابات، التى انطلقت أول أمس الأحد، مفاجأة من العيار الثقيل، على اعتبار أن الأول لا يملك دعما حزبيا، بينما الثانى رجل أعمال، ينتمى لحزب مغمور لا يحظى بشعبية كبيرة فى الداخل التونسى، إلا أن الأمر يبدو متوائما إلى حد كبير مع التطورات التى يشهدها المجتمع الدولى ككل، فى ظل صعود العديد ممن يمكننا تسميتهم بـ"المغمورين" سياسيا فى العديد من دول العالم، ربما ليسطروا مرحلة جديدة من السياسة الدولية، تميل إلى حد كبير نحو التيارات الشعبوية، البعيدة عن الأحزاب السياسية.
ولعل الحقبة الجديدة قد انطلقت فى السنوات الأخيرة، وتحديدا منذ صعود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، والذى كان بمثابة مفاجأة مدوية، خاصة وأن الرجل لم يملك خلفية سياسية كبيرة، بينما كانت منافسته التى نجح فى الانتصار عليها فى الانتخابات الأمريكية الأخيرة فى عام 2016، من عتاة السياسة فى الولايات المتحدة، فقد سبق لها وأن كانت السيدة الأولى فى بلادها خلال حقبة زوجها بيل كلينتون، ووزيرة للخارجية فى عهد الرئيس السابق باراك أوباما، ليكون انتصاره ملهما للعديد من القادة العالميين، الذين اتجهوا لتبنى خطابا مشابها دفع بهم إلى قمة هرم السلطة فى بلادهم.
فمنذ 2016، نجد أن عددا من المغمورين نجحوا فى الوصول إلى سدة السلطة فى بلدانهم، وعلى رأسهم الرئيس البرازيلى جايير بولسونارو، ورئيس السلفادور نايب بوكيلى، ذو الأصول الفلسطينية، والذى لم يكن لديه أى خلفية حزبية، بالإضافة إلى الرئيس الأوكرانى فلاديمير زيلنيسكى، والذى لم يمتلك رصيدا سياسيا، سوى مسلسل تليفزيونى حمل عنوان "خادم الشعب"، لعب خلاله دور رئيس الجمهورية، ليخرج العمل التليفزيونى من إطاره الدرامى، ليكون بمثابة خطاب انتخابى يؤهله للصعود بسرعة الصاروخ إلى قمة الحكم.
يبدو أن اختيارات الشعوب، والتى دارت فى معظمها حول شخصيات غير معروفة ويفتقرون للخلفية السياسية، تمثل انعكاسا صريحا لفشل السياسة بشكلها التقليدى فى تحقيق تطلعاتهم، فى ظل الرؤى الحزبية والأيديولوجية الضيقة، لتسيطر نزعة من التمرد على الرؤى الحزبية بشكل عام، وهو الأمر الذى أدركه قطاع من القادة الذين اتجهوا إما لخوض غمار السياسة دون خلفية حزبية، أو حتى لتشكيل أحزاب جديدة ذو نزعة شعبوية بعيدا عن الأيديولوجيات التقليدية.
النزعة الشعبوية ربما امتدت إلى أعتى الأحزاب السياسية فى العالم، وفى القلب منه الولايات المتحدة، وهو ما يبدو واضحا فى حالة الحراك التى يشهدها الحزبان الجمهورى والديمقراطى الأمريكيين، حيث نجح ترامب فى فرض رؤيته إلى حد كبير على حزبه، لتتجاوز أيديولوجية تيار "الصقور"، والتى تعتمد النهج العسكرى، عبر نشر القوات الأمريكية فى العديد من مناطق العالم، للاحتفاظ بالنفوذ الأمريكى، وذلك عبر تحييد العديد من العناصر المعروفة بمناهضتها للفكر الجديد.
الحراك نفسه ليس بعيدا عن الحزب الديمقراطى الأمريكى، وهو ما يبدو واضحا فى حالة الانقسام حول الفكر الجديد الذى يقوده بيرنى ساندرز، والفكر التقليدى، والذى يمثله القيادات القديمة، وعلى رأسهم جو بايدن وهيلارى كلينتون وغيرهما.
وهنا يمكننا القول بأن الحقبة الجديدة فى السياسة الدولية تتجه بقوة نحو الخروج من بوتقة السياسة التقليدية، التى قامت فى الأساس على التعددية الحزبية، والأيديولوجيات، باعتبارها معايير الديمقراطية، لتصبح إرادة المواطن المعيار الجديد الذى تعتمده الشعوب فى اختيار قيادتها فى المرحلة الراهنة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة