كان الوقت فجر السابع عشر من سبتمبر، مثل هذا اليوم 1987 حين أحاطت قوة أمنية كبيرة المنزل الذى يقيم فيه محمود نور الدين قائد تنظيم «ثورة مصر»، وصعدت قوة أمنية إلى شقته فى مصر الجديدة، وألقت القبض عليه، فى نفس الوقت كانت قوات أمنية أخرى تلقى القبض على باقى أعضاء المنظمة، وفقا لكتاب «ثورة الابن.. أسرار ووثائق تنظيم ثورة مصر» للكاتب الصحفى مصطفى بكرى، مضيفا: «فى فجر السابع عشر من سبتمبر 1987، كان كل شىء قد أعد، وأصبح الأمر متوقفا على التنفيذ.. فى ذلك اليوم فقط، وضعت أرقام تليفونات الأعضاء تحت المراقبة للتسجيل من قبل أجهزة الأمن، ولم يتم إلا تسجيل مكالمة واحدة لمحمود نور الدين».
جاءت هذه الخطوة بعد العجز عن الوصول إلى سر هذا التنظيم طوال ثلاث سنوات نشط فيها، وحدد هدفه منذ البداية فى مقاومة النشاط الصهيونى فى مصر، الذى بدأ عقب توقيع الرئيس السادات ومناحم بيجين، رئيس الوزراء الإسرائيلى لمعاهدة السلام فى 26 مارس 1979..نفذ «التنظيم» أربع عمليات مسلحة فى شوارع القاهرة، ثلاثة منها ضد عناصر إسرائيلية، والرابعة والأخيرة ضد موظف أمريكى فى السفارة الأمريكية فى القاهرة، وحسب «بكرى» فإن أول عملية كانت ضد «زيفى كيدار» المسؤول بالسفارة الإسرائيلية فى القاهرة فى يونيو 1984.. فى 20 أغسطس 1985 كانت العملية الثانية ضد مسؤول الأمن بالسفارة، وفى 19 مارس 1986 وقعت عملية «معرض القاهرة الدولى»، وكانت إسرائيل تشارك فيه، وأسفرت عن اغتيال «إيلى تايلور» مديرة الجناح الإسرائيلى وجرح ثلاثة آخرون، وأطلق التنظيم على هذه العملية اسم «والله زمان يا سلاحى»، وتمت العملية الرابعة والأخيرة ضد عنصر فى السفارة الأمريكية يوم 26 مايو عام 1987.
أعلن التنظيم هويته «الناصرية» وكان عجز الأجهزة الأمنية المصرية عن كشف التنظيم يمثل تحديا داخليا وخارجيا، فى نفس الوقت كان يمد الحركات الشعبية المناهضة للتطبيع مع إسرائيل بطاقة مقاومة، غير أن الخيانة الداخلية فى التنظيم هى التى كشفته، بقيام أحد عناصره وهو أحمد عصام، شقيق محمود نورالدين، بإبلاغ السفارة الأمريكية، بأن شقيقه هو قائد التنظيم، والدكتور خالد جمال عبد الناصر يقوم بعملية التمويل، حسبما يذكر نظمى شاهين أحد أعضاء التنظيم لمجلة «روز اليوسف» يوم 18 سبتمبر 2011.
يكشف «بكرى» أسرار «خيانة عصام»، مشيرا إلى أنه فى أواخر شهر يوليو 1987، اتصل من تليفون أرضى فى كشك صغير بالسفارة الأمريكية «لم تكن هناك خدمة محمول فى مصر وقتئذ»، وأبلغ السفارة أنه يريد التحدث مع السفير «فرانك ويزنر» لأمر هام.. كان الرد: من أنت؟..أجاب: «لا يهم، ولكن أنا لدى معلومات هامة تتعلق بمنظمة ثورة مصر»، وعند هذا الحد أغلق سماعة الهاتف، ثم كرر الأمر بعد ثلاثة أيام من تليفون فى منطقة غير التى تحدث منها فى المرة الأولى.. يذكر بكرى: «فى هذه المرة يبدو أنه كان على موعد غير مرئى مع فرانك ويزنر السفير الأمريكي، أو كأن السفارة استنفرت بأسرها لتلقى هذه المكالمة وإجراء التسهيلات اللازمة أمام صاحبها.. ثوان معدودة، وكان أحمد عصام فى مواجهة السفير، ولكن عبر أسلاك الهاتف.. تساؤلات واثقة وإجابات مهزوزة دارت عبر الهاتف بين الطرفين لثوان معدودة.. رحب السفير على أثرها بشروط عصام وهي: نصف مليون دولار تحول باسمه إلى أحد البنوك السويسرية، وجواز سفر أمريكى يخرج به من السفارة إلى المطار قاصدا واشنطن مباشرة».
يؤكد بكري: «كانت إجابات السفير مشجعة، لكن عصام أبلغه أنه سيحدثه خلال يومين أو ثلاثة».. يضيف: «بعد يومين وفى العاشرة صباحا أجري «عصام» اتصالا بالسفارة للتأكد من وجود السفير، ثم ذهب إلى السفارة، وحدث اللقاء مع السفير.. ألقى عصام بقنبلته كاشفا أنه أحد قادة هذا التنظيم، وأن شقيقه محمود نور الدين هو قائده، وخالد جمال عبد الناصر يقوم بعملية التمويل.. خرج عصام من السفارة، وبدأ التعامل مع القضية، وحسبما يذكر بكرى، والكاتب الصحفى عادل الجوجرى فى كتابه «ثورة مصر» فإن السفارة الأمريكية ظلت وحدها تقوم بالتحقيق، وتراقب عصام، وذلك بعيدا عن أجهزة الأمن المصرية.. يذكر بكري: «قيل إن أجهزة الأمن لم تعلم بالقضية إلا صباح يوم 16 سبتمبر، وإن الرئاسة هى التى أبلغت، بعد أن قام «فرانك ويزنر» السفير الأمريكى بتسليمها «ملفا كاملا» يحوى الأسماء والعناوين والاتهامات، وأنه تم تكليف إحدى المجموعات الخاصة برئاسة الجمهورية للقيام بعملية القبض، وتعاونها فى ذلك أجهزة الأمن الأخرى، وبالفعل وفى فجر السابع عشر من سبتمبر 1987، كان كل شىء قد أعد، وأصبح الأمر متوقفا على التنفيذ».
يذكر بكري، أنه حين شعر «نور الدين» بمداهمة قوات الأمن منزله اتصل بشقيقته، وقال لها «قوات الأمن تحاصرنى بسبب تنظيم ثورة مصر.. خلى بالك من الأولاد»، أما خالد عبد الناصر فكان فى لندن قبل عملية القبض بأسبوع، وغادرها إلى يوغسلافيا وظل فيها حتى عاد لمحاكمته يوم 6 يونيو 1990. فى اليوم التالى لعملية القبض بدأت التحقيقات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة