لم يكن إعلان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب عن مقتل حمزة، نجل مؤسس والزعيم التاريخى لتنظيم القاعدة الإرهابى، فى الأيام الماضية، مجرد مصادفة، خاصة وأن توقيت الإعلان تزامن مع العديد من التطورات المرتبطة بالداخل الأمريكى، فى ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية من جانب، أو بالتفاعلات الأمريكية مع العالم، خاصة فيما يتعلق بمخاوف مرتبطة بما يمكننا تسميته بمهادنة واشنطن للجماعات المتطرفة، منذ السنوات الأخيرة فى عهد الرئيس السابق باراك أوباما، والتى فشلت فيها واشنطن فى تحقيق نتائج ملموسة فى حربها ضد تنظيم "داعش" الإرهابى سواء فى سوريا أو العراق، مما فتح الباب أمام دور روسى أكبر فى منطقة الشرق الأوسط من البوابة السورية، على حساب النفوذ الأمريكى، من جانب أخر.
توقيت الإعلان الأمريكى ربما جاء بعد مقتل بن لادن الإبن بشهور طويلة، ليخدم أهداف بعينها فى أجندة الرئيس ترامب، ليتزامن مع بداية المناظرات الانتخابية بين المرشحين الديمقراطيين، فى إطار الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطى، والتى سيسعى خلالها المرشحون إلى التنافس على استهداف ترامب وإدانته أمام الناخبين، خاصة فيما يتعلق بموقفه من الإرهاب، فى ظل رؤيته القائمة فى الأساس على تخفيف الوجود العسكرى الأمريكى فى العديد من مناطق التوتر، بينما سيحاول نائب الرئيس الأمريكى السابق جو بايدن، والذى يعد المرشح الأوفر حظا فى الفوز ببطاقة الترشح للجولة النهائية من انتخابات الرئاسة الأمريكية، إنعاش ذاكرة المواطن الأمريكى بإنجازات الإدارة التى لعب فيها دور الرجل الثانى، فى الحرب على الإرهاب، وعلى رأسها نجاح القوات الأمريكية فى قتل زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن فى 2011.
انتخابات 2020.. ترامب يقطع طريق خصومه للتشكيك فى حربه على الإرهاب
وهنا يمكننا القول بأن الرئيس الأمريكى يحاول قراءة الخطاب الانتخابى لمنافسيه، قبل المواجهة المباشرة بينهم، والمرتقبة فى العام القادم، خاصة وأن تقييم الحرب على الإرهاب سيكون أحد أبرز قضايا الصراع الانتخابى فى الولايات المتحدة، خلال الانتخابات الرئاسية القادمة، خاصة وأن المفاوضات الأمريكية مع حركة طالبان، ربما تفتح الباب أمام الديمقراطيين للتشكيك فى الجهود التى تبذلها الإدارة الحالية فى دحض الإرهابيين، وبالتالى كان مقتل حمزة بن لادن فرصة مهمة للرئيس ترامب، ليقدم رسالة للمواطن الأمريكى مفادها أن إنجازه فى القضاء على رؤوس الإرهاب فى العالم لا يقل عن إنجازات سلفه فى البيت الأبيض، بالإضافة إلى استمرار الجهود الأمريكية للقضاء على التهديدات التى قد تصل إلى داخل أمريكا، كما حدث من قبل، فى أحداث 11 سبتمبر.
مناظرة الديمقراطيين
ولعل التقاعس الأمريكى فى عهد أوباما، فى الحرب على الإرهاب، كان أحد المنصات التى أطلق منها الرئيس ترامب سهام الانتقاد، تجاه إدارة أوباما، إبان الانتخابات الرئاسية الأمريكية فى عام 2016، حيث اتهم سلفه، ومنافسته الديمقراطية آنذاك هيلارى كلينتون، ليس فقط بالتواطؤ مع الإرهاب، ولكن امتدت الاتهامات إلى حد المشاركة فى تأسيس تنظيم داعش الإرهابى، معتبرا أن التدخل الروسى فى سوريا يبدو منطقيا فى ظل فشل قوات التحالف الدولى، والذى قادته واشنطن، فى تحقيق أى تقدم ملموس فى دحض التنظيم، الذى صار بمثابة كابوس للغرب، فى ظل نجاحه غير المسبوق فى اختراق دول الغرب الأوروبى، وتنفيذ العمليات الإرهابية داخلها.
قيمة رمزية.. واشنطن تعيد إحياء "الثأر" فى ذكرى 11 سبتمبر
ولعل التزامن بين الإعلان عن مقتل حمزة، والذكرى الـ18 لأحداث 11 سبتمبر، يمثل قيمة رمزية مهمة من حيث توقيت الإعلان، خاصة وأن تنظيم القاعدة هو منفذ الهجوم الذى أودى بحياة ألاف الأمريكيين، وبالتالى فإنه يمثل محاولة جديدة لمغازلة مشاعر الأمريكيين، خاصة من أسر الضحايا، عبر إحياء مفهوم "الثأر"، لضحايا الحادث المأساوى، والذى لا يمكن أن تتخلى عنه الإدارة الأمريكية، فى مواجهة التنظيمات الإرهابية، والتى تسعى لاستهداف المواطن الأمريكى سواء فى الداخل أو الخارج.
أحداث 11 سبتمبر
يبدو أن الرئيس الأمريكى يحاول أن يدحض الصورة التى يسعى البعض الترويج لها حول خسارة أمريكا لرهانها مع أفغانستان، حيث كان الهدف الرئيسى وراء الحملة العسكرية التى شنتها الإدارة الجمهورية للرئيس الأسبق جورج بوش، هو إسقاط طالبان من الحكم فى البلاد، والقضاء عليها، وهو الأمر الذى تقوضه المفاوضات الأمريكية معها، والتى تهدف فى الأساس إلى تقليص الوجود العسكرى الأمريكى فى أفغانستان، ولكن فى الوقت نفسه فإنها ربما تفتح الباب أمام عودة التنظيم، الذى وضعته واشنطن على قائمة التنظيمات الإرهابية لديها منذ سنوات، إلى صدارة المشهد الأفغانى من جديد.
رسالة لطالبان.. إما الاندماج فى السياسة أوالدمار
وبالتالى فإن الحديث عن مقتل حمزة بن لادن لا يرتبط فقط بالداخل الأمريكى، وإنما يمتد لطبيعة التفاعلات الأمريكية مع القضايا الدولية والإقليمية، خاصة فيما يتعلق بالمسألة الأفغانية، بعدما أعلنت الإدارة الأمريكية توقيف المحادثات مع طالبان، فى الأيام الماضية، إثر الهجوم الذى استهدف كابول، وأودى بحياة جندى أمريكى، وهو ما يمثل فرصة كبيرة للرئيس الأفغانى أشرف غنى للاحتفاظ بكرسى الرئاسة، حيث أستغل القرار الأمريكى ليعلن إجراء الانتخابات الرئاسية فى أفغانستان فى غضون أيام.
وفد طالبان المشارك فى محادثات السلام
وهنا يصبح الإعلان عن مقتل بن لادن الإبن بمثابة رسالة أخرى لطالبان، تدور حول قدرة الولايات المتحدة مواصلة حربها على الإرهاب، فى المرحلة الراهنة، وأن المفاوضات الأمريكية مع الحركة لا تنم عن ضعف واشنطن، أو انتصار لطالبان، وإنما محاولة لاحتوائها عبر دمجها فى العملية السياسية فى الداخل الأفغانى، وهو النهج نفسه الذى يتبناه الرئيس الأمريكى فى التعامل مع كافة الخصوم الدوليين لواشنطن، على رأسهم روسيا وكوريا الشمالية، حيث تبنى سياسة تقوم على دمجهم فى المجتمع الدولى، بدلا من سياسة العزلة التى طالما استخدمها أسلافه.
إلا أن الأمر يبدو مختلفا بالنسبة لطالبان، والتى حاولت استفزاز الكبرياء الأمريكى عبر مواصلة العمليات الإرهابية، وبالتالى كان الرد الأمريكى، بالانسحاب أولا من المفاوضات، والإعلان بعد ذلك عن مقتل بن لادن، لتثور التساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن تنتوى الإصرار على موقفها المجابه للإرهاب، أم أنها ستعود مجددا لمهادنة التنظيمات الإرهابية فى المستقبل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة