فى الوقت الذى قرر فيه الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إقالة مستشاره للأمن القومى جون بولتون، والملقب بـ"كبير الصقور" فى الإدارة الأمريكية، نظرا لمواقفه المتشددة تجاه خصوم واشنطن الرئيسيين، وعلى رأسهم إيران وكوريا الشمالية وغيرهما، إلا أنه آثر الاحتفاظ بصقر آخر، وهو وزير الخارجية مايك بومبيو، وهو ما يمثل محاولة صريحة لتحقيق قدر من التوازن بين تيارين داخل أروقة الإدارة، وهما تيارا الصقور والمعتدلين، ففى الوقت الذى يحاول فيه التوجه نحو التفاوض، يسعى إلى الاحتفاظ بقدر من الضغوط على خصوم أمريكا التاريخيين.
ولعل سر الإبقاء على بومبيو، رغم ميوله "الصقورية"، هو أنه ربما لا يلعب دورا كبيرا فى الكثير من الملفات، وعلى رأسها قضية كوريا الشمالية، حيث استجاب الرئيس الأمريكى لمطلب بيونج يانج باستبعاده من المفاوضات بين البلدين، ليقتصر ظهوره على الصور البروتوكولية التى تجمع بين المسئولين، فى الوقت الذى أصبح هناك أدور دبلوماسية لشخصيات أخرى من خارج وزارة الخارجية الأمريكية، كنائب الرئيس مايك بنس تارة، ونجلته إيفانكا تارة أخرى، وهو ما يعكس تهميش الدور الذى يلعبه وزير الخارجية الأمريكى ومؤسسته بصورة كبيرة فى الآونة الراهنة.
إلا أن وجود بومبيو يبقى مهما، على الأقل فى المرحلة الحالية، خاصة مع تصاعد التوتر مع إيران، والتى ربما كانت سعيدة للغاية بقرار إقالة بولتون، باعتباره بادرة سلام أمريكية، خاصة وأن هناك حاجة ملحة لتحقيق قدر من التوازن بين المنهج المتشدد، والذى اعتادته الإدارات الأمريكية، وعلى رأسهما الجمهورية منها، تجاه خصومها، من جانب، والنهج الجديد الذى يعتمده ترامب، والقائم على سياسة "مد اليد"، والتى يحاول خلالها الرئيس الأمريكى احتواءهم، ودمجهم فى المجتمع الدولى مقابل تقديم المزيد من التنازلات فيما يتعلق بالقضايا الخلافية من جانب آخر.
النهج المتوازن الذى يسعى ترامب لتحقيقه لا يقتصر على مجرد اختيارات أعضاء الإدارة، ولكن يتجلى بوضوح فى النهج الأمريكى فى التعامل مع كوريا الشمالية، حيث شهدت العلاقات بين البلدين طفرة غير مسبوقة إلى حد قيام ترامب بدخول الأراضى الكورية الشمالية، فى خطوة رمزية تعكس التطور الكبير، بينما مازال يحتفظ بالعقوبات المفروضة عليها، حتى تمتثل إدارة بيونج يانج لرغباته بصورة كاملة، وهو الأمر الذى يقدم فرصة الانفتاح على العالم للدولة المارقة، فى الوقت الذى تصبح فيه عصا العقوبات عائقا كبيرا يمكن من خلاله مواصلة الضغط الأمريكى.
وهنا يمكننا القول بأن الرئيس ترامب يسعى لتطبيق سياساته، ليس فى صورتها المجردة، والمتمثلة فى علاقته بالدول الأخرى، وإنما كذلك عبر اختيار مسئوليه، فيصبح بين عناصرها المعتدلين، الذين يمكنهم التفاوض لأهداف مرحلية، يمكن الترويج لها باعتبارها انتصارات فى الداخل، وكذلك المتشددين، والذين يمكن استخدامهم فى بعض الملفات المعقدة، فى المرحلة الراهنة، وهو الأمر الذى يبدو فى قراره الأخير بتعيين روبرت أوبراين، فى منصب مستشار القومى الأمريكى، خلفا لبولتون، حيث تبقى الخبرة السابقة له كمبعوث فى شئون تحرير الرهائن، السبب الرئيسى وراء اختياره للمنصب.
يبدو أن نجاحات أوبراين فى التفاوض، ونجاحه فى تحرير قطاع كبير من الرهائن الأمريكيين، السبب الرئيسى وراء اختياره، وبالتالى يمكن استخدامه فى المرحلة المقبلة، لإنهاء ملف السجناء الأمريكيين فى الخارج، والذين يمثلون أولوية كبيرة للإدارة الأمريكية فى المرحلة الراهنة قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، والمقررة فى عام 2020، كما أن اختياره يأتى فى إطار محاولاته لحل ما يمكننا تسميته بـ"معضلة التوازن" فى إدارة ترامب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة