منذ اللحظات الأولى ليوم الجمعة، كانت الطريقة التى تظهر هى بناء صورة مزيفة، واختراع مئات البوستات والصور والفيديوهات واضحة الفبركة، بعضها قديم يرجع لسنوات، والبعض الآخر من دول أخرى.
آلاف الحسابات من لجان إلكترونية، ولا يحتاج الشخص الطبيعى للكثير من الجهد، ليكتشف أن الجزيرة كانت منصة حرب، تخوض معركة دعائية فى ميدان، أعلى مراحل التحريض والكذب والتلفيق، ضمن سيناريو واضح حتى قبل أن يخرج أى شىء كانت جاهزة ومعها حسابات لجان إلكترونية بدت للشخص العادى ضمن سياق مرسوم.
وكانت هناك حسابات تتلقف هذه الفيديوهات والصور التى تم تركيب الصوت عليها لتعيد تشييرها، وبالرغم من أن أعدادا قليلة نزلت فى محاولة للتصوير وعمل مشهد، فإنه واضح أن منصات الدعاية مثل الجزيرة وقنوات تركيا الإخوانية استبقت ووقعت فى خطأ تقليدى عندما بدأت تنشر الفيديوهات قبل الموعد المحدد أو ربما تزامنا مع خروج جماهير الأهلى للاحتفال بالفوز فى السوبر، لتبدا الخطوة الكاشفة التى ظهرت بنشر فيديوهات لاحتفالات الجمهور مركبا عليها الصوت بطريقة بدائية أو إعادة نشر فيديوهات قديمة لمتظاهرين بالملابس الشتوية.
وإذا فصلنا كل هذه الهيصة عن أعداد من الجمهور نزلت للتعبير عن غضب أو قنوط، وبين مشاهد تم رسمها لإشاعة غضب من خلال اختلاق أخبار مفبركة عن صدامات، بل وقتلى وهميين كان مفيدا أن يخرج أصحابها لينفوا بأنفسهم.
كل هذه التفاصيل تشير لوجود مخطط ولا يحتاج أحد لابتكار نظريات مؤامرة وهو يشاهد قناة الجزيرة وقنوات تركيا الإخوانية تمارس التحريض وتختلق الموضوعات والأخبار المفبركة.
اللافت للنظر هنا، هو انخراط بعض عمقاء الغاضبين فى تحليلات بناء على هذه الفيديوهات المفبركة، ومن دون أن يراجع أى منهم عقله أو يتوقف عند ما يجرى كأنه شريط يعاد عرضه، وهو أمر يفترض أن يلفت النظر، اللافت أيضا أن كل الأطراف ألقت المسؤولية على إعلام قالت إنه ضعيف ومتهافت، بينما المركز كان كالعادة على الشوشيال ميديا بعيدا عن الواقع، منذ بدأت حروب على «التريند» بين المقاول والناشط وائل غنيم، الذى فاز بالخلطة التى يجيدها فى انتزاع جمهور السوشيال من «راغبى الفرجة الافتراضية»، وهى معركة أثبتت ما هو معروف طوال سنوات حول رغبات متوحشة للفوز بالفرجة حتى ولو من خلال عمل «شو» أقرب للأراجوز والسيرك، فاز فيها غنيم على المقاول.
ومهما كان الحديث عن الإعلام ربما، لأن قنوات الجزيرة وتركيا الإخوانية أصبحت تقدم عروضا أقرب للاسترايز من أجل جذب جمهور يميل إلى التشويق، وهو تشويق يجب الاعتراف أن قنواتنا لا تجيده، لكن إلقاء اللوم على الؤعلام يتحاهل أن السوشيال ميديا أصبحت مجالا منفصلا، والمفارقة أن عمقاء الادعاء ممن يرددون فبركات وأكاذيب هم أنفسهم يهاجمون أى
مواطن يستنكر صناعة الفوضى ويسارع بتوضيح الحقيقة، حيث يتم اعتبار من يحذر من الفوضى، أنه لجنة إلكترونية، بينما من يفبرك يصبح بطلا وناشطا وحقوقيا، وهى مفارقة تكشف عن مدى الخلط بين امتلاك رؤية وارتباك موقف.
لكن الأمر كان مختلفا مع قنوات ولجان الهيصة الافتراضية، وما جرى يوم الجمعة كان تجسيدا لما يمكن أن يصنعه العالم الافتراضى فى عقول العالم الطبيعى.
ولا يمكن لمراقب طبيعى أن ينكر احترافية أجهزة الأمن والمعلومات فى التعامل مع ما جرى، فقد كان واضحا أن هناك تفرقة فى طريقة التعامل مع من نزلوا تلقائيا أو للفرجة وبين من تم توجيههم لصالح تنظيم الإخوان وممولوه، واللجان التى احترفت نشر الفيديوهات المفبركة أو تدخل أفرادها بتعليقات من نوعية «أخويا فى التحرير وفيه ضرب نار أو الدنيا واقفة جدا والشوارع مقفولة أو الغاز فى الهواء»، وهى تقريبا نفس الحسابات التى تم تنشيطها فورا أو حسابات حديثة، وقد انتبهت إدارة تويتر مثلا مبكرا وألغت فيديوهات تم تركيب الصوت عليها، أو قديمة، بينما تأخر فيسبوك كالعادة.
الأمر نفسه مع بعض المنصات والحسابات الممولة، والتى اتضح أنها لا تتبع نشطاء عاديين لكنهم تابعون لمنصات عملهم، مثل أن يضطر عاملون فى الجزيرة أو بى بى سى لنشر تغريدات بمواقف سياسية وتحريضية من حساباتهم، على عكس ما هو معمول به فى الفصل بين جهة العمل والنشاط السياسى، لكن خلال شهور سقطت الحواجز ولم تعد هناك فواصل بين المنصة والعاملين فيها، بل إن بى بى سى كالعادة تعاملت فى بعض الأخبار بناء على السمع أو أقرب للنشر على مواقع التواصل.
والواضح أن هناك وعيا اليوم أضعاف مما كان قبل سنوات، للفرق بين إعلان المواقف المعارضة والانخراط فى فوضى لا يمكن أن تنتج واقعا أفضل، بل العكس، فقد جاءت مواقف وتعليقات البعض كاشفة عن ارتباك سياسى لدى قطاعات تقدم تحليلات وقراءات لا تستند إلى قراءة بقدر ما تعتمد على معلومات مفبركة أو تضخم من قدرات منصات التحريض، ليقع بعض العنقاء فى فخ الهيصة من دون امتلاك أى رؤية أو موقف يفصل بين التعبير عن الرأى وبين التبعية لمنصات تركيا وقطر التى أصبح واضحا أنها تستخدم السبق الإخوانى لصالح مشروعات فوضى.