هناك أناسٌ معرفتهم تغمرك بالحمد على نعم الله عليك.... ليس لضعف فيهم، بل لمدى قوتهم و صبرهم و صلابتهم ، رغم كل اختبارات الله لهم.... تنظر لهم متسائلاً كيف لهم ان يستيقظوا كل يوم رغم كل ما مروا به... كيف يلهمهم الله عدم الاستسلام.... سبحانك يا الله....
فاختبار الفقد.... فقدان اناس نحبهم... لم يكبروا ... لم يعيشوا عمراً مديداً.... اذ من رحمة الله بنا ان كبارنا يمرون بالشيخوخة و امراضها لكي نستعد رويداً رويداً لمغادرتهم... لكن موت الصغار هذا يغلق ابواب النسيان... يتركنا للاسئلة تنهشنا ليل نهار... لماذا هم و لسنا نحن؟ كيف لهم ان لا يكونوا هنا؟ اسأرحل أنا ايضاً باكراً؟ كيف لهذا الفراغ الداخلي ان يغادرنا بلا عودة....
اما اختبار العجز.... كم نعم الله علينا حتى في ابسط الامور ( كالذهاب للحمام كل صباح) مهولٌ و مخيف..... حين يضعك الله في اختبار تصبح فيه عاجزاً عن القيام بابسط امور الحياة....و ليس المقصود هنا بفترة بسيطة.... بل تفقد هذه النعم تماماً...... و تصبح عاجزاً ( بمفهوم البشر). تخيل لم تعد تمشي.... بعد ان كنت تنهب الارض بخطواتك الواثقة..... لم تعد ترى.... بعد أن كنت ترسم بخيالك كل الالوان و الصور....... لم تعد تسمع .... بعد ان كانت دندنات الاغاني من المسلمات.
و اهٍ من اختبار البحث عن الذات..... كلنا يظن اننا نعرف ما نريد من اوائل عمرنا و نتدبر حياتنا على اساس ذلك.... لكن من يوجه الله طريقه لاختبار البحث عن الذات... هو انسان كالطفل التائه.. لا يعرف اين و كيف و لماذا.... يملئه الخوف .. و الطريق امامه مظلم... و لا يملك ادوات تساعده على شق طريقه.... (اختبار بجد صعب).
اختبار التعامل مع البشر... اتظن الاختبارات السابقة صعبة ( لا طبعاً) ان نكون تحت طائلة اصدار الاحكام من البشر.... ان يحكموا عليك بما لم يعد فيك.... و ليس كل ما فيك... ان يحكموا عليك بالعجز ... ان يحكموا عليك بالشفقة او يمطرونك استغلالاً ... ان يحكموا عليك بالفناء كما انت... فبما انك لست مثلنا، فلا يحق لك ان تكمل حياتك طبيعياً... ان يحكموا عليك بالاستغراب حين يرون ابتسامتك او يسمعوا ضحكاتك.... يحكمون عليك بالوحدة اذ لا تكفيك مصائبك فلنزدها واحدة اخرى.
و لكن......
من يعيشوا اختبار الفقد.... يرون الوجه الاخر للدنيا.... يرون كم نحن هشون.... يعيشون الماً في كل لحظه.... نستغرب بعد مرور اعوام و اعوام كيف لم ينسوا و لن ينسوا.... فهم لم يعيشوا تجربة الموت كباقي البشر.... هم خدعهم الموت و اصبغ على لونه الاسود الوانا لا نعرف عمقها و لا قسوتها... هم اناس عرفوا الما نفسياً يفوق الم تكسير العظام و تلف الاعصاب و تهتك الخلايا..... هم اناس فقدوا احبائهم..... و ظلوا في الدنيا ممسكين بايدي احبائهم من يد و مربتين على قلوبهم المكسورة باليد الاخرى.....
طوبى لكم و لجبروتكم.
اما اختبار العجز...... نحن ارواحٌ وضعت في اجساد نحركها لنعبر عن هذه الروح...... و حين نعجز عن التعبير عنها..... نكون كمن اخذ حكماً بالسجن مدى الحياة...... لكن هؤلاء من يكسروا قضبان عجزهم و يعودوا للحياة متشبثين بكل قوتهم..... فيمشون الحياة بدون ارجل.... و يرسمون خيالهم بدون اعينهم...... و يدندنون الموسيقى دون سماعها..... كيف لنا ان نسميهم عاجزين..... فلو قطعت الكهرباء لسويعات بسيطة نحس باختناق و ان الظلمة تأكلنا من الداخل..... نحن العاجزين..... نحن الذين نعيش باقل ما في ارواحنا و اجسادنا.... نحن الضعفاء.
طوبى لكم و لجبروتكم
الذين يبحثون عن ذاتهم..... يبدأون من الصفر... بعد ان كانت حياتهم ترتبت بداخلهم لسنوات طويلة.... يستيقظوا في يوم ليتعاملوا مع جسد غريب و قلب موجوع و عقلٍ لا يستوعب ما حدث...... و مهما حاولنا ان نشعر بهم او نتفهم ما يمروا به..... لن نستطيع فالمثل القائل ( اللي ايده في الميا مش زي اللي ايده في النار) صحيح مئة بالمئة.... يبدأون رحلتهم و يثابروا عليها و يكملوها و ينجحوا و ينجحوا و ينجحوا...... و يجدوا ما ننسى ان نبحث عنه طول حياتنا...... يجدوا الله.... يجدوا انفسهم..... يجدوا معناً لحياتهم و كم منا عاش و مات دون ان يعلم لماذا كان هنا يوماً ما.
طوبى لكم و لجبروتكم
و لكن....من اصعب الاشياء التي نقوم بها كل يوم:
التعامل مع البشر..... و هذا و نحن نشبههم..... فلنتخيل اننا مختلفون و لو قليلاً..... يا الله على كم التجارب السخيفة و العجيبة التي سنمر بها.... سواء بالنظرة او الكلمة او المعاملة... فبعض البشر ( و هم كثر) فاقدين تماماً لمعنى الانسانية. اما هؤلاء المختلفون فيرتدون ابتسامتهم على وجوههم كل صباح... يرسلون لاعماقهم و لنا رسالة نور.... يشدوا على ازر انفسهم دون ان بحتاجونا في شيء، دون ان يكون علينا عبئٌ في شيء... لا يحملونا مسئوليتهم في شيء.... هم مستقلون اكثر من اي انسان اخر
طوبى لكم و لجبروتكم.
اختبارات الله عظيمة.... و من هم تحت طائلة اختباره هم اقوى خلقه، فهو لا يحمل نفساً الا وسعها.... قد وضع حِملٌ كالجبل على اكتافٍ هو يعلم انها تستطيع حَملُ جبالِ الكون.
كم نحن ضعافٌ امامكم.... كم نحن مَنقُوصون امامكم.... كم نحن صغارٌ امامكم.....
فحين اهداكم الله من روحه.... اهداكم معها من جبروته.
طوبى لكم و لجبروتكم...
كعادة اخر الكلام:
فلتندنوا نعمكم مع اغاني الصباح...... و تنظروا حولكم و تتفكروا: كم انت جميلٌ يا الله.... كم انت رحيمٌ يا الله.... كم انت محبٌ يا الله.
"ليس المحب الذي يرجو من محبوبه عوضا ، أويطلب منه غرضا ، فإن المحب من يبذل لك ، ليس المحب من تبذل له ."
ابن عطاء الله السكندري
الى ملهمتي امي فاقدة البصر و مكشوفة البصيرة ....
الى ملهمي: عمرو السوهاجي
- كابتن منتخب مصر للسباحة البارالمبية
- مصنف اول في مصر و أفريقيا و خامس عالم
- متأهل لاولمبياد طوكيو ٢٠٢٠
- متطوع في مستشفى ٥٧٣٥٧
- محامي في شركة ميناء القاهرة الجوي
- صاحب صفحة كلمة و نص على الفيسبوك
- متحدث تحفيزي للاطفال.
طوبى لكم و لجبروتكم
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة