"التمكين الاقتصادى للمرأة فى الدل النامية".. شعار حملته الجولة الحالية التى تقوم بها نجلة الرئيس الأمريكى إيفانكا إلى دول أمريكا اللاتينية، فى توقيت ربما يتسم بحساسيته الشديدة فى تلك المنطقة، بسبب التوترات التى تشهدها فنزويلا، على خلفية الصراع على السلطة بين الرئيس الفنزويلى نيكولاس مادورو، وزعيم المعارضة خوان جوايدو، وهو ما قد يضع أبعادا جديدة للزيارة، لتتجاوز الأهداف التنموية المعلنة إلى أهداف أخرى لها طبيعة سياسية أو دبلوماسية.
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ربما اعتاد تحريك عناصر إدارته لتقديم رسائل مختلفة إلى العديد من دول العالم، سواء كانوا حلفاء لواشنطن أو خصوم لها، أو للتمهيد إلى قرارات معينة تنوى الإدارة اتخاذها، وهو ما بدا واضحا فى استخدام الصقور، وعلى رأسهم مستشاره للأمن القومى جون بولتون، ووزير خارجيته مايك بومبيو كورقة للضغط على إيران، فى الوقت الذى سحبهما من المشهد فيما يتعلق بالمسألة الكورية الشمالية، فى استجابة صريحة لرغبة بيونج يانج المتحفظة تجاههما.
كذلك ظهور نائب الرئيس الأمريكى مايك بنس دائما ما يرتبط بالمهام الصعبة، والتى تهدف فى المقام الأول إلى تشكيل التحالفات الدولية، وهو ما بدا واضحا فى رئاسته للوفد الأمريكى بمؤتمر وارسو، والذى استهدف تشكيل تحالف لمجابهة النفوذ الإيرانى المتنامى فى الشرق الأوسط، وذلك على الرغم من أن المؤتمر كان فى الأصل على مستوى وزراء الخارجية، فى انعكاس صريح لسياسة الإدارة الحالية القائمة على تفتيت المهام، فلم يعد بإمكان الوزراء الأمريكيين، السيطرة بالكامل على كافة الملفات الخاصة بهم، فى ظل أدوار جديدة يمكن أن يقوم بها مسئولين أخرين.
وهنا يمكننا القول أن ظهور إيفانكا فى أمريكا اللاتينية، والتى تعد بمثابة الفناء الخلفى لواشنطن وعمقا استراتيجيا لها، ليس مصادفة، أو خطوة غير محسوبة، خاصة وأن الفتاة الطامحة إلى دور أكبر داخل أروقة الإدارة الأمريكية ترى أنه يمكنها أن تقوم بدور أكبر فى المستقبل فيما يتعلق بقضايا الأمن القومى الأمريكى، وهو الأمر الذى يبقى مدعوما من قبل الرئيس ترامب، والذى حرص على اصطحابها فى غالبية زيارته الخارجية، على حساب زوجته ميلانيا، بينما يحرص على وضعها فى صدارة المشهد بجوار زعماء العالم، فى مشاهد ربما أثارت سخرية واستياء الإعلام.
ولعل الحديث عن إيفانكا تزايد بصورة كبيرة فى أعقاب الزيارة الأخيرة التى قام بها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى كوريا الجنوبية، خاصة خلال لقائه مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونج أون فى المنطقة الحدودية المنزوعة الحدود، بينما تناول دورها بإسهاب، جنبا إلى جنب مع وزير الخارجية الأمريكى مايك بومبيو، خلال لقاءه فى نفس الزيارة مع الجنود الأمريكيين، المتواجدين على الأراضى الكورية، حيث وصفهما معا بـ"الجميل والوحش"، فى إشارة ربما تعكس قدرا من الارتباط بينهما خاصة فى تعامل الإدارة مع مختلف الملفات الدولية الحساسة.
إيفانكا ربما تحولت إلى أداة الدبلوماسية الناعمة للإدارة الأمريكية، أو ما يمكننا تسميتها بـ"حمامة السلام"، والتى يسعى الرئيس ترامب إلى استخدامها مع الخصوم الذين يرغب فى تسوية القضايا الخلافية معهم، خاصة وأنها تعد وجها جديدا لم يتلوث بعد بالسياسة، وبالتالى لا يمكن أن يثير وجودها تحفظات الدول "المارقة"، والتى تحمل انطباعا سلبيا تجاه "الصقور"، خاصة وأنهم معروفين بمواقفهم المتشددة، وغير المعتدلة تجاه القضايا الشائكة.
وهنا يثور التساؤل حول ما إذا كان وجود إيفانكا فى أمريكا اللاتينية سوف يساهم فى تكرار تجربة كوريا الشمالية، والتى تمكنت الإدارة الأمريكية اتخاذ خطوات واسعة، وغير مسبوقة فى التقارب معها بعد شهور طويلة من التهديدات المتبادلة، أم أن المشهد مازال يحمل أسرارا أخرى، لم يتم الكشف عنها بعد فى المرحلة الحالية.