من الصعب التكهن بما يحدث فى الشرق الأوسط على خلفية التصعيد اللفظى المتبادل بين الأطراف المختلفة، وهو تصعيد سياسى أكثر منه عسكرى، ويبدو كل طرف حريص على ألا تفلت الأمور لتصل إلى اشتعال ربما لا يكون من السهل السيطرة عليه.
ففى الوقت الذى اتخذت فيه الأزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران وضعا ثابتا، تراجعت التهديدات المتبادلة، وبدت سبل الحوار قائمة فى قمة السبع، عندما دعا الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، وزير الخارجية الإيرانى جواد ظريف إلى القمة، وإن لم يلتق ترامب، لكن القضية طرحت على مائدة الحوار، وقد اتضح أن أوروبا ليست فى جانب التصعيد مع إيران وحتى الرئيس الأمريكى ترامب، وهو يقترب من الانتخابات الرئاسية ربما يكون راغبا فى خفض التوترات والمعارك التى يخوضها التى بلغت قمتها فى الحرب التجارية مع الصين.
إيران تبدى رغبة فى التحاور، وترى أنها أثبتت خلال الفترة الماضية ثباتا، عندما تحركت فى مضيق هرمز ردا على احتجاز ناقلتها فى جبل طارق، واحتجزت ناقلة بريطانية.
وربط بعض المحللين بين الهجوم الإسرائيلى بالطائرات المسيرة على الأراضى اللبنانية فى الجنوب والتصعيد الأمريكى، لكن المحللين حتى داخل إسرائيل اعتبروا تحرك نتنياهو هو الآخر محاولة للتغطية على فشل سياسى فى تشكيل الحكومة، وإقباله على انتخابات مع اتهامات له بالفساد، وهو ما دفعه للهروب إلى الأمام فى تصعيد لا يحظى بتأييد كبير، وحتى من منافسيه، ممن أعلنوا رفض التصعيد مع إيران أو حزب الله، ومنهم زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيجدور ليبرمان الذى يشن هجوما ويقود حملات لعزل نتنياهو.
وقد رد حزب الله بعملية أسفرت عن تدمير مدرعة إسرائيلية عند طريق مستوطنة أفيفيم الإسرائيلية الحدودية، ردا على الاعتداء الذى نفذته إسرائيل على ضاحية بيروت الجنوبية باستخدام طائرتين من دون طيار ومقتل اثنين من عناصر الحزب فى سوريا جراء غارة إسرائيلية.
ورد الجيش الإسرائيلى بشن هجوم مضاد ومكثف بالمدفعية على بلدات فى الجنوب اللبنانى، لكن بقيت العمليات محدودة ولم يبدُ أنها قابلة للاتساع، وهو ما فسره محللون بوجود توازن ردع بين حزب الله وإسرائيل، يقلل من احتمالات أن توسع إسرائيل عدوانها مثلما جرى عام 2006، الأمر الذى يصعب السيطرة عليه.
من هنا استبعد الربط بين التصعيد الأمريكى مع إيران والتحركات الإسرائيلية التى تظل فى سياق التهديد من دون ان تصل الى صراع عسكرى قد يصعب السيطرة عليه، ومن الواضح أن كل الأطراف التى تمارس التصعيد تحرص على أن تبقى الحالة ضمن التصريحات، ولا تتجاوزها إلى ما هو أكثر.
الولايات المتحدة اكتفت بالتصعيد تجاه إيران فيما تراجعت لهجة دونالد ترامب عما كانت عليه فى بداية الأزمة وفى نفس الوقت تتطور الأوضاع فى سوريا تجاه المزيد من السيطرة للجيش السورى، مع اتجاه إلى الحل السياسى، وإن كان يبدو بعيدا، لكنه أصبح يفرض نفسه بشكل أكبر، مع كل نصر للقوات السورية، وتبقى الأوضاع على شفا توتر، غير قابل للاشتعال حتى الآن.