كانت الساعة الواحدة من صباح يوم 4 سبتمبر، مثل هذا اليوم، عام 1974، حين بدأت جلسة التحقيق الأولى مع الشيخ إمام عيسى، وذلك بعد القبض عليه والشاعر أحمد فؤاد نجم وآخرين فى الثانية عشرة والنصف من صباح 3 سبتمبر 1974، فى القضية التى اشتهرت إعلاميا وسياسيا باسم «شرفت يا نيكسون بابا»، نسبة إلى اسم القصيدة التى ألفها أحمد فؤاد نجم بمناسبة زيارة الرئيس الأمريكى نيكسون إلى مصر.. «راجع-ذات يوم 3 سبتمبر 2019».
يذكر صلاح عيسى فى كتابه «شاعر تكدير الأمن العام» أن المحقق سأل الشيخ إمام عن أقواله فيما هو منسوب إليه بعد أن أفهمه إياه تفصيلا، واستجوبه فى نصوص القصائد التى يلحنها ويغنيها بهدف تحديد مسئوليته عن ارتكاب جريمة «بث الدعايات المثيرة وإذاعة البيانات والإشاعات الكاذبة والمغرضة».
قدم الشيخ إمام تعريفا لنفسه: «اسمى إمام محمد عيسى، سنى 56 سنة، مقيم بشارع المعز لدين الله، عطفة حوش قدم، رقم 2، أنا لا أهاجم أشخاصا، وإنما أهاجم أوضاعا، فمثلا الشعب كله يعانى الأمرين من الوقوف فى الطوابير، من أجل الحصول على ضروريات حياته، وهناك ناس بتأخد مهايا مرتفعة ومئات الأشخاص لايجدون قوت يومهم، وهاجمت حرب 1967 لأنها لم تكن حربا، وقلت هذا الهجوم فى قصائد ألفها «أحمد فؤاد نجم» ولحنتها أنا، وأنا لا أقول شيئا غير الغنوة، وأقصد بالهجوم الذى قلته، أننى ألحن قصائد تتضمن هذا الهجوم، ولكننى لا أؤلفه.. وهناك أشخاص قد يقولون تعليقات أمامى فيها هجوم على المسائل والأوضاع التى ذكرتها، وهم كثيرون جدا لا أعرفهم، وفى كل مصر مع مراعاة أننى كفيف البصر، وأنا أتمنى أن كل المصريين يعيشون حياة رغدة، وفى رأيى أن مثل هذا ممكن التحقق، إذا كان هناك أشخاص أمناء يُفهمون رجال السلطة، أن الناس تعبانة والأقلية مرتاحة، والأكثرية متعبة جدا، وهذا الرأى الذى قلته أحتفظ به لنفسى، ولا أقوله إلا أمام بعض رجال حتتى من فرانين ونجارين، عندما أجلس على القهوة ويلتقى بى الناس ونتكلم».
أضاف الشيخ إمام: «أنا أؤيد حرب أكتوبر، وأعتقد أنها بشرة خير، وعملنا فى حرب أكتوبر غنوتين «دولا مين» و«عطشان يا صبايا» أحمد نجم ألفهما، وأنا لحنتهما، وهما تمجيد لحرب أكتوبر وبطولاتها، ولما حضر «المستر نيكسون» إلى مصر، أنا عملت له زفة تمرمغ به الأرض، فقد ألف أحمد فؤاد نجم قصيدتين هما «شرفت يا نيكسون بابا»، والثانية «نويت أصلى» تتضمنان هجوما على نيكسون، ولحنتهما وغنيتهما.. وأنا عندما ألحن أغنية لأحمد فؤاد نجم أغنيها».
سأل المحقق الشيخ إمام عن صلته بالأشخاص المقبوض عليهم، وكان فيلم «العصفور» ليوسف شاهين معروضا فى دور السينما منذ 26 أغسطس 1974، أى قبل عملية القبض بنحو أسبوع، وكان ضمن المقبوض عليهم من أسرة الفيلم، الممثل على الشريف، وعلى بدرخان، مساعد مخرج، والفنانة اللبنانية «جلاديس أبوجودة» التى ظهرت فى الفيلم باسم «حبيبة»، وحسب صلاح عيسى فإن الشيخ إمام قال عن صلته بهذه الأسماء: «أعرف منهم على بدرخان على أساس أنه مشترك فى إخراج فيلم «العصفور» الذى لحنت فيه أغنية «بهية» وهى مصر.. وللعلم لم ينشر اسمى كملحن لها بالفيلم، ولا أحمد فؤاد نجم كمؤلف لها، وأعتقد أن الأستاذ «على بدرخان» أحبنى بعدما سمع لى هذه الأغنية، وأعرف على الشريف وأساس هذه المعرفة أنه الذى يغنى أغنية بهية فى الفيلم، ولم يحصل بينى وبينه أى نقاش سياسى، لأن صلتى به حديثة».
وعن صلته بالأشخاص الآخرين، قال عن الشاعر «نجيب شهاب الدين»: «هو صديق أراه أحيانا ويسافر أحيانا لبلده، وكتب لى قصيدتين أعجبانى، واحدة تقول «يا مصر قومى وشيدى الحيل» والثانية تقول «سايس حصانك»، والقصيدة الأولى سياسية تدعو الشعب للالتفاف حول مصر، والذود عن أرضها، وليس فيها هجوم، والثانية قصيدة غنائية فلكلورية وليست سياسية، ولحنت القصيدتين وغنيتهما فى الجلسات الخاصة لأنى لا أقترب من الإذاعة منذ سنة 1968، كأوامر من الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لأنى كنت أهاجمه فى الأغانى، وهاجمته فى سنة 1967 بعد النكسة،و«نجيب شهاب الدين» شخص مصرى يحب مصر.. وقال الشيخ إمام عن «سيف الغزالى»: «لا أعرفه إطلاقا»، وعن «محمود حسن عاشور» قال: «أعرفه وهو نحات تلقائى ولا يعرف القراءة ولا الكتابة وهو أيضا يحب مصر.. أما «عيد عبدالرحيم حسنين» فهو جارى بالمنزل، ويحب أن يصاحبنى فى مشاويرى لمعاونتى باعتبارى كفيف البصر وليس له فى السياسة، أما عبد الرحمن خير فصلتى به كصلتى بالأستاذ «إبراهيم شعراوى» باعتبارهما يحبان مصر حبا جما، وأى آراء يبديانها ليست إلا لمصر، وفى حبها.
رد الشيخ إمام عن سؤال المحقق بوجود حشيش أمامه وقت القبض عليه قائلا: «لم يحصل، ولا شميت حشيش، ولا شربت حشيش، وأنا بقالى شهر مبتعد عن الحشيش لعلمى أنه يضر بصحتى».. فى نهاية الجلسة أمر المحقق بحبس الشيخ إمام، والشاعر أحمد فؤاد نجم على ذمة التحقيق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة