ضج معارفى وقرائى الرجال حين كتبت لعبة الرجال.. واعتبروا أننى ألبس المرأة ثوبًا ملائكيًا.. فى حين أنى لم أُشر بذلك لا من قريب ولا من بعيد.. ولكن طالبونى بأن أضع قلب المرأة تحت الأضواء.. كما وضعت قلب الرجل وشبهته بغرف فندق.
بصراحة فى البداية لم أستطع.. إذ أننى لا أستدعى الوحي.. فهو يحل ضيفًا وقتما يشاء.. إلى أن قرأت قصة امرأة على موقع اجتماعى عربى اسمه حلوها.. متخصص فى حل المشكلات الاجتماعية.
بطلة قصتنا تسأل القراء عن حل لمشكلتها وهى تستعد لزواجها السادس بعد أن تاجرت بجمالها فى خمس زيجات سابقة.. إذ كلما ظهر رجلٌ أغنى من زوجها (وتلك كلماتها فى وصف أى زوج جديد يظهر.. ليس ظنًا منى أو تحليلاً) تقوم كأنثى العنكبوت وتقتله قتلاً و-لكن معنويًا- وتطرده من حياتها.
بطلتنا بعد خمس جرائم قتل لكسر رجال وتدميرهم وسلب كل ما يملكون.. تشعر بالذنب تجاه ابنها من آخر زوج لأنها تحرمه من أبيه - فهى امرأة أخذت ما أرادت ولا يهم ما بعد ذلك.
مثال هذه المرأة غريب.. ليس لأفعالها.. بل لأنها مقتنعة بأنها تقوم بفعل الصواب.. الصواب لها طبعًا.. فهى ليست مطالبة بالتفكير بحياة الآخرين.. بل بالعكس تعيش أنها هى الضحية.. وأن ليس لها ذنبٌ فى ظروفها التى تحاول أن تتخلص منها وتتفوق عليها.. سواء بجمالها أو ذكائها.. لقد وجدت على الأرض لتهتم بذاتها ولتجمع ثروتها.. ومهما اكتنزت.. تظل روحها كبئر عميقة.. مهما ملأته لا يمتلئ.. لا يهمها كم الجثث تحت أقدامها.. هى لا تراها.
ورغم تطرف هذا النوع من النساء.. ووضوح أنانيته للعيان.. إلا أن كم الرجال اللاهثين خلفه صادم.. يذهبون للنار بأرجلهم وكل شيء يؤكد لهم أنها نارٌ جحيم، ولكن لو اعتقدنا أن الحب يسيطر على المرأة فتتيه... فإن الحب حين يتملك الرجل.. يملكه ويستعبده.. وللتاريخ قصص وعبر كثيرة عن هكذا امرأة ورجالها.
لكن عزيزتنا فى الأعلى هى المثال المتطرف للأنانية وتأليه الذات.. فى حين أننا نصادف فى حياتنا أنواعًا مختلفة من النساء الأنانيات بنسب مختلفة.. فتلك المنى تعرفك لمصلحة تريد أن تنجزها، وتلك النادية تعرفك لاستعراض اجتماعي.. وتلك الريم تعيش كالطفيلية على حياتك.. لا يهمها من تكون.. كل ما يهمها أن تتغذى على موائدك.. وتحصل على أكبر قدر من الهدايا والحاجات المادية.. وتلك الرانية تعرفك لأنك معك مفاتيح السهر والانبساط وتلك الفريدة أنت تعوضها عن نقص فى حياتها.. وتلك الباكينام تستدعيك لحياتها لكى تنسى بك شخصًا آخر.. وتلك السمر تهرب إليك من أب جائر أو أخ ظالم.. وأكثرهم انتشارًا (وهى تحمل أسماءً عدة) من تكمل حياتها مع رجل لا تعتبره أكثر من ATM.
وعلى النقيض من المرأة التى لا تحيا سوى لذاتها.. هناك نوعٌ آخر.. نوعٌ نقف أمامه صامتين.. فالصمت فى حرم الجمالِ جمالُ.. والجمال هنا ليس حسيًا.. هو جمال روحٍ صافٍ.. جمال روحٍ يملكك دون أن تشعر.. ولكن يأخذك لسلامك الداخلي.. يريح قلبك من دوامة الحياة.
إنها امرأة معطاء.. تهديك ابتسامة قلبها قبل وجهها.. تمسح عنك تعبك بكفيها مهونة عليك أيامك.. تحتوى روحك من ضوضاء الدنيا.. تضمك ململمة أوجاعك لتضعها فى صندوق خارج روحك.. امرأة بايعتك خليفة فى حياتها.. امرأة عيناها لا تشبعان من النظر إليك.. تهديك سكينة مع فنجان قهوة الصباح كل يوم.. تغمرك أمانٍ وهى تدثرك ليلاً.. كل يوم.
ليس عيبًا فى مبادئها أن ترى نجاحك نجاحًا لها.. ليس عيبًا فى مبادئها أن تكون لك سندًا وظهرًا، أبًا وأخًا وأمًا وصاحبًا.
هكذا امرأة بعكس سابقتها نادرة الوجود.. وذلك ليس لعيب فيها.. بل لنقصٍ فى الرجالِ الرجالْ.. فهكذا نوعٌ يزهر ويشرق تحت مظلة رجلٍ أفعاله تتحدث تقديرًا.. كلماته تمنح طمأنينة.. رجلٍ كيانه أمان لامرأته لا العكس.. رجل يزرع ثقتك بنفسك ويبتسم كل مرة يراها تزهر وتملأ وادى روحك.. يرى نفسه معك.. معك فقط.. رجل لو أخبروه أنه سيعيش فى جزيرة وحيدًا باقى عمره وسمح له بشيء واحد وبشخص واحد فيختار كتاب الله لسكينة روحه ويختاركِ أنت لسكينة دنياه.
إذن يا عزيزي:
هل استطعت أن تسيطر على وحش الأنانية داخل نصفك الآخر.. أم استسلمت وأصبحت مملوكًا عبثيًا لا تملك من روحك شيء؟
هل استطعت أن تهدى جميلة الروح تقديرًا وطمأنينة.. ورجل يكن لها الدنيا.. هل أخبرتها كم جميلة هى اليوم؟
فيا عزيزى الرجل: اعلم أنك تعيش نتاج اختياراتك وتعطى من مرآة روحك.. فاتكئ فى مجلسك وانظر إلى الأعلى وفكر:
أى النقيضين فى حياتك؟
وأى مرآة روحٍ تعكس نصفك الآخر؟
شكرًا
فإذا أنكر خل خله.. وتلاقينا لقاء الغرباء
ومضى كل إلى غايته.. لا تقل شئنا فإن الحظَّ شاء" إبراهيم ناجي / أم كلثوم – الأطلال.