خسر رئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون معركته بالخروج من الاتحاد الأوروبى بشكل متعدد الاتجاهات، فقد أقر مجلس العموم مشروع قانون يمنع خروج بريطانيا دون اتفاق فى 31 أكتوبر، وفشل رئيس الوزراء بوريس جونسون فى الحصول على دعم عدد كافٍ من النواب لإجراء انتخابات مبكرة الشهر المقبل.
وبالتالى أصبح مستقبل عملية الخروج أكثر تعقيدا، وأيضا مستقبل جونسون السياسى وحزب المحافظين، الذى يواجه انقساما بسبب اختلاف المواقف تجاه الخروج. وبالتالى أصبح على جونسون عقد اتفاق جديد مع الاتحاد الأوروبى قبل أكتوبر أو تأجيل الخروج إلى 31 يناير المقبل، لتستمر الأزمة التى بدأت مع الاستفتاء فى يونيو 2016.
وسواء تأجلت عملية الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى أم تمت، فإن الاتحاد الأوروبى نفسه يواجه واقعا جديدا خلال السنوات القادمة. والتأثيرات ستكون مباشرة على بريطانيا، لكنها سوف تجد انعكاساتها فى دول الاتحاد المختلفة، ففى حال نجحت عملية الخروج فإن دولا أخرى سوف تجد أصواتا ترتفع لتغير من صيغة الاتحاد الأوروبى، ضمن إعادة ترتيب تتم ببطء طوال أربعة أعوام على الأقل، وتغذيها عملية صعود فى اليمين الأوربى الرافض للهجرة والأجانب، وارتفاع دعاوى مختلفة بإعادة النظر فى صيغة الاتحاد، وهى صيغة ربما تتشكل خلال الفترات القادمة بناء على مطالب ودعاوى بإدخال روسيا إلى أوروبا لتكون جزءا من بنيان أوروبى وعالمى جديد.
بالنسبة لبريطانيا، فإن هناك سيناريوهات مختلفة يمكن أن تتم خلال الشهور المقبلة، منها أن يغادر المحافظون الحكومة، ويأتى العمال، وفى هذه الحالة هناك آراء تطالب باستفتاء جديد استنادا إلى اختلاف آراء قطاعات ممن أيدوا الخروج سابقا، وكان اقتراح استفتاء جديد مطروحا من قبل قطاعات فى حزب العمال، وحتى جو جونسون الشقيق الأصغر لرئيس الوزراء البريطانى بوريس جونسون، استقال من منصبه وزيرا للدولة وقال إنه سيستقيل بسبب ما سماه الصراع بين الولاء للعائلة والمصلحة الوطنية، وذلك بعد أيام من طرد جونسون 21 مشرعا من حزب المحافظين لعدم دعمهم استراتيجيته للخروج من الاتحاد الأوروبى، من بينهم حفيد ونستون تشرشل ووزير مالية سابق، وسبق أن أبدى جو جونسون دعمه لإجراء استفتاء ثان بشأن انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبى، لكنه قبل منصب وزير دولة عندما تولى شقيقه رئاسة الوزراء.
والمفارقة أن بوريس جونسون والمحافظون المؤيدون للخروج يستندون إلى أنهم ينفذون إرادة الشعب البريطانى التى يرون أنها تحققت فى التصويت فى استفتاء يونيو 2016، بينما يرى أنصار استفتاء جديد أنهم يمنحون الشعب البريطانى فرصة لتحديد موقفه مرة أخرى، ويستندون إلى الديمقراطية وحق الشعب البريطانى فى تحديد مستقبله.
بالطبع، فإن أزمة بريكست تمثل منذ لحظاتها الأولى سجالا ديمقراطيا، واختبارا للشكل القائم من التركيبة الحزبية والسياسية القائمة والتى استقرت فى بريطانيا على مدى عقود. هناك تمرد على الصيغة القائمة على ثنائية المحافظين والعمال، تجلت فى ظهور حزب بريكست فى يناير الماضى واحتلاله مساحة من السياسة البريطانية، وهو تحول لا يتعلق ببريطانيا وحدها لكنه يشمل أوروبا، حيث تظهر تيارات جديدة لا ترتبط بسياقات السياسة التقليدية، وتعكس حجم تغيرات اجتماعية وثقافية فى مجتمعات أوروبا، فقد صعدت الأحزاب الممثلة لليمين فى فرنسا وألمانيا بسرعة وحققت نتائج متقدمة فى الانتخابات، بما يؤكد أنها تعبر عن تيارات موجودة فى المجتمع والشارع السياسى، بالرغم من أن من بينها تيارات متطرفة تقترب من النازية.
ومع هذا تظل التفاعلات والسجالات الديمقراطية، حتى الآن هى الصيغ الأكثر نجاحا فى عبور المجتمعات من أزماتها السياسية، لكونها تعبر عن تعدد موجود، من الصعب أن يعبر عنه تحرك فردى أيا كان، ولعل تجربة بوريس جونسون تشير إلى ذلك بوضوح.