صاحبة الـ 85 عاما فى أول حوار صحفى لها:
كنت أول حاصلة على الدكتوراة فى مجالى فلقبونى بـ"أم الفيزياء النووية"
أسست أول معهد لعلوم الليزر فى مصر والشرق الأوسط وإفريقيا
تلاميذى أصبحوا علماء فى جامعات مصر والعالم
وصلت للـ85 ولو مرحتش معملى أحس إنى "مشلولة"
أعمل على بحث لإذابة جلطات الشرايين دون جراحة
أحلم بإنشاء أول محطة ليزر لتوليد الكهرباء فى مصر
عبد الناصر قالى "انتى فخر لمصر" وجيهان السادات رجعتلى حقى "بمكالمة"
الجنزورى ساعدنى.. ومفيد شهاب كان عامل نفسه "أبو العريف"
البرادعى دخل السياسة "لأغراض شخصية" وعصام حجى "مغرور"
السيسى سيجعل مصر كأوروبا بقفزات غير مسبوقة
أنا ست بيت درجة أولى وأستاذة فى الطبخ والتفصيل
أول مرتب لى كان 15 جنيه واتجوزت بلا شبكة دهب
سورة "النور" سر ارتدائى الحجاب فى سن الـ64
الدكتور لطفية النادى مع المحرر تامر إسماعيل صالح
قبل 62 عاما، وبالتحديد عام 1957، جلست أول حاصلة على درجة الدكتوراة فى الفيزياء النووية فى مصر مع زوجها، بعد أول شهرين من الزواج، وقالت له أنها تخشى الحمل والإنجاب لسبب قد يوقف كل أحلامها المهنية والعلمية وينهى مسيرتها قبل أن تبدأ، فسألها الزوج عن السبب، فقالت له أنها تتعرض فى بعض الأحيان لإشعاعات ذرية أثناء أوقات عملها فى معمل أنشاص، وأن تلك الإشعاعات لا تؤثر عليها لكنها قد تسبب تشوهات للجنين فى حالات الحمل، وجلست العالمة الصغيرة تنتظر رأى زوجها الذى يحلم بأول ذريته، هل يوافق على تأجيل حلم الإنجاب، أم يكتب سطر النهاية مبكرا لرحلتها العلمية؟.
وفى منتصف عام 1960 زار الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مفاعل أنشاص، والتقى مجموعة نابغة ومنتقاه من علمائه، وكان بينهم نفس الفتاة، ورأى فيها الزعيم الراحل من الذكاء والقوة والنبوغ العلمى ما جعله يوقف حديثه ليوجه حديثه لها قائلا " أنا مش خايف على البلد طالما فيها ستات زيك كده، طول ما انتم موجودين أنا بالنسبة لى دا كفاية ".
وفى 11 أغسطس الماضى، جلست فى منزلها – بعد أن زينها الشيب - بجوار صورة زوجها الذى توفى منذ سنوات، لتتلقى مكالمات التهنئة من نجليها احتفالا بعيد ميلادها رقم 85، بعد رحلة طويلة من التضحيات والنجاحات والإنجازات فى مجالات علوم الفيزياء النووية، وعلوم الليزر، بعد أن أطلق عليها علماء جيلها "أم الفيزياء النووية" فى مصر، ولقبها العالم الراحل أحمد زويل بـ"ملهمته" فى الجهد والعمل، وأصحبت أكبر أستاذ جامعى سنا فى مصر، إنها الدكتورة لطفية النادى العالمة المصرية ومؤسسة أول مركز لعلوم الليزر فى مصر وإفريقيا والشرق الأوسط، والتى أجرت معها اليوم السابع حوارا - هو الأول لها - حكت فيه كواليس ومشاهد رحلتها التى تجاوزت 65 من العلم والأبحاث، ولم تتوقف فيها أحلامها حتى الآن.
وإلى نص الحوار..
و أنت تكملين عامك الـ85.. لماذا تصرين على مواصلة العمل بالجامعة دون انقطاع؟
أصر على العمل لأنى لازالت أملك أحلاما أخرى، ولأنى أحب معملى وتلامذتى وتجاربى، ولأنى "لو مرحتش الشغل بحس كأنى مشلولة"، ولم أشعر يوما أنى مللت من العمل والبحث، ودائما أشعر بمسئولية تجاه الأجيال الجديدة والشباب.
عندما تتحدثين إلى تلاميذك.. ما أكثر ما تفخرين به فى مسيرتك؟
أشعر بالفخر كثيرا أنى أدخلت دراسات الليزر فى مصر، وأسست أول مركز لعلومه فى مصر وإفريقيا، خاصة أنه وقتها لم يكن بيننا كعلماء من يدركون أهمية علوم الليزر ومستقبله.
ولماذا اتجهت إلى الليزر رغم أن تخصصك فيزياء نووية؟
بعد توقف مفاعل أنشاص فى مصر، جاءتنى فرصة من دولة ألمانيا للتبرع لمصر بجهاز ليزر فائق وغالى جدا سحيقق نقلة لمصر فى هذا المجال، وكان الشرط أن يدخل دورة العمل مباشرة، ولم يكن فى مصر من يجيد التعامل معه، فطلبت منى الجامعة تغيير مجالى من الذرة لليزر واشتغل على الجهاز، فى البداية رفضت ثم راجعت نفسى ووافقت، وانطلقت بعدها استخدامات الليزر فى مصر.
وهل كانت البداية وقتها سهلة.. أم واجهت عقبات؟
طول الوقت كان هناك عقبات فى كل شىء، بداية من دخولى كلية العلوم، إما لأنى امرأة، أو لضعف التمويل، أو لأمور متعلقة بأولويات الدولة، لكن فى موضوع الليزر يسّرها الله بمن دعمونى، ووقتها كان لابد من بناء مركز ذو طابع خاص داخل الجامعة، وذهبت للدكتور كمال الجنزورى، وكان وزير تخطيط وقتها، وطلبت منه مساعدتى من أجل الحصول على تمويل من أمريكا لشراء أجهزة أخرى، وساعدنى فى الحصول على التمويل بالفعل، واستطعنا من خلال تلك الأجهزة إنجاز مجموعة رائعة من الأبحاث، وعملنا تبادل بين مصر وأمريكا وألمانيا وفرنسا فى الأبحاث والدراسة والتطبيق.
الدكتور لطفية النادى
بالعودة إلى بداية المسيرة العلمية.. لماذا اخترت ذلك المجال.. وماسر لقب "أم الفيزياء النووية"؟
اخترت ذلك المجال لأنى أحب العلوم والمعامل، ووقتها لم تكن الفتيات يقبلن على العلوم المعقدة، فكنت أنا أول فتاة تحصل على درجة الدكتوراة فى الفيزياء النووية، ومع مرور السنوات والأبحاث والنجاحات ظهر لقب "أم الفيزياء النووية"، والحقيقة أننى كنت محظوظة بأسرتى وعائلتى ودعمهم لى، خاصة زوجى الذى وافق على تأجيل حلمه بالإنجاب فى بداية زواجنا لمدة 7 سنوات لأننى كنت وقتها أعمل فى مفاعل أنشاص وخشيت أن يتضرر الجنين من التعرض لبعض الإشعاعات.
ما الذى كانت تخططين له مصر فى تلك الفترة على مستوى القدرة النووية.. وهل كان هناك هدف امتلاك قنبلة نووية؟
نحن كعلماء لم نكن نعرف بالتحديد سقف أحلام الرئيس عبد الناصر وقتها، لكن كل ما كان يقال لنا هو أننا يجب أن نكون على استعداد تام ومستمر لتنفيذ أى مهمة، لكن لم يقل لنا أحدا يوما أن هناك نية لتصنيع قنبلة نووية.
ولماذا توقف الحلم النووى وقتها؟
بعد العدوان الثلاثى على مصر، زادت الضغوط لغلق ملف الطاقة الذرية تماما لأننا كنا متفوقين على كل الدول التى حولنا بمن فيهم اسرائيل، وكانت أبحاثنا أكثر تطورا منهم، لكن فجأة توقف التمويل، وأصبحنا غير قادرين على شراء المعدات، او تنفيذ عمليات الصيانة، أو تطوير أدواتنا، ففهمنا أننا لم نعد أولوية لدى القيادة السياسة، وللأسف البعض من العلماء أصيب بإحباط، وسافر وهاجر بعضهم إلى روسيا وأمريكا، لكن أنا وبعض الزملاء صممنا على البقاء فى مصر والتطوير فى مجالات أخرى.
وهل قابلت الرئيس جمال عبد الناصر فى تلك الفترة أو تحدثتى إليه؟
أنا قابلت الرئيس عبد الناصر أكثر من مرة، لأنه كان مهتم جدا بما نقوم به، وزارنا كثيرا فى مفاعل أنشاص لأنه أيضا كان يرأس هيئة الطاقة الذرية بنفسه، وكان دائم المتابعة لما نقوم به.
العالمة لطفية النادى مع الزعيم جمال عبد الناصر فى مفاعل أنشاص
وما الذى لاتنسينه فى الأحاديث بينكما؟
لا أنسى أبدا أنه ذات مرة عندما رأنى وتعرف عليّ، أوقف حديثه وقال لى :"أنا مش خايف على البلد طالما فيها ستات زيك كده، طول ما أنتم موجودين أنا بالنسبالى ده كفاية"، وكانت تلك الكلمات حافزا كبيرا لى على مدار سنوات عملى.
وهل كان لك نفس الحظ فى لقاءات مع الرئيس محمد أنور السادات؟
الحقيقة لا، لم ألتق الرئيس السادات سوى مرة واحدة، لكن علاقتى كانت قوية بزوجته السيدة جيهان السادات، بحكم أنها كانت تدرس بجامعة القاهرة وقتها، وكانت تحب دعم المرأة بقوة، وأتذكر أنها أرسلت لى ذات مرة لزيارتها، وفوجئت بها تطلب منى الاستعداد للترشح للانتخابات عن دائرة مصر الجديدة، فاعتذرت لها وقلت لها "يافندم أنا بتاعت علم ومعامل فقط".
وماذا كان رد فعلها؟
فى البداية لم تكن سعيدة، لكنى حكيت لها أننى لم أستطع حتى الأن الحصول على حقى فى رئاسة القسم داخل كليتى لأننى امرأة، فكيف سأنجح فى الانتخابات، فانزعجت جدا، وما كان منها إلا أن رفعت سماعة التليفون فورا واتصلت بعميد الكلية، وقالت له "إنت معطل توقيع قرار الدكتورة لطفية ليه"، فقال لها "أبدا يافندم دى إجراءات"، وفى خلال 24 ساعة بعد المكالمة كانت كل الإجراءات انتهت وصدر قرار تعيينى رئيسا للقسم بفضل مكالمة من جيهان السادات.
جانب من الحوار مع الدكتورة لطفية النادى
يبدو أنكِ كنت تواجهين ظلما داخل الجامعة.. هل هذا صحيح؟
الحقيقة لا، مرتان فقط شعرت فيهما بالظلم، الأولى قصة رئاسة القسم، والثانية عام 1994 عندما قرر الدكتور مفيد شهاب رئيس جامعة القاهرة أن يعزلنى عن رئاسة المعهد القومى لعلوم الليزر الذى أسسته، ورفض تماما أن يمد لى فترة الرئاسة رغم تدخل كافة الأساتذة، وتأكيدهم على أنه لا يوجد من يستطيع أن يديره غير من أسسه، خاصة أننى كنت قد وضعت خطة كاملة وحلم كبير للمعهد ودوره وما يمكن أن يحققه لمصر.
ولماذا لم تتحدثى إليه مباشرة وتوضحى الأمر؟
الحقيقة إن مفيد شهاب بشكل عام كان أسوأ من تولى رئاسة جامعة القاهرة، لأنه لم يكن يحترم الأساتذة، ولم يكن يحبه أحدا من الأساتذة، "هو راجل شاطر فى مجاله لكنه لما أصبح رئيس جامعة افترى مع كل الناس"، وكان يرفض كل طلبات ورغبات الأساتذة، للأسف "كان شايف نفسه أبو العريف"، ولما ذهبت وقلت له "المعهد ده زى ابنى وأنا نفسى أكبره"، قال لى "وإيه يعنى ما أنا ابنى مات بعد ما ربيته"، فتركته "واشتكيته لربنا"، لكن طلبت من كل الأساتذة دعم رئيس المعهد الجديد.
ومن كان أفضل رئيس جامعة من وجهة نظرك؟
لا يجب أن ننسى أن طه حسين كان واحدا ممن ترأسوا الجامعة، وهو صاحب قرار المد لأساتذة الجامعة للعمل بعد سن المعاش، إيمانا منه أن أستاذ الجامعة كلما كبر فى العمر كلما ازدادت أهميته وكفاءته العلمية، أما بالنسبة لمن عاصرت من رؤساء الجامعة، فكان الأفضل الدكتور حسن حمدى والدكتور مأمون سلامة، وقتهما كانت كلمة أستاذ الجامعة مقدرة ومقدسة وكل طلباتهم مجابة، وكان الوصول إلى مكاتبهم أسهل من الوصول إلى مكتبى الشخصى.
العالمة المصرية لطفية النادى
الشهر الماضى كان الاحتفال بعيد العلم.. كيف ترى الدكتورة لطفية النادى علاقة الرئيس السيسى بالعلماء؟
الحقيقة الرئيس السيسى لا يترك فرصة لدعم وتكريم العلماء إلا وفعل، ومشهد تكريمه للعلماء يوم 18 أغسطس أسعدنى جدا، وكلماته أكدت إدراكه لأهمية دعم البحث العلمى وتطويره .
هل كنت تتنظرين دعوة أو تكريم؟
بالتأكيد، أى شخص بينتظر التكريم، خاصة بعد مسيرة علمية طويلة، صحيح أنا حصلت على جائزة الدولة التقديرية عام 2009، لكنى كنت أتمنى دعوتى لحضور حفل عيد العلم، ولازلت أحلم بمزيد من الإنجازات والحصول على جائزة النيل أعلى وسام فى مصر.
العالمة لطفية النادى مع العالم أحمد زويل
وما الذى تخططين له من أحلام وإنجازات تسعين لها؟
مؤخرا أنجزت أبحاثا فى مجلة نانو ساينس الدولية عن استخدامات النانو تكنولوجى مع أشعة الليزر لاذابة جلطات الشرايين دون تدخل جراحى، إضافة إلى أنى حاليا تم انتخابى لعضوية اللجنة الدولية لليزر فائق القدرة، وحلمى من خلال هذه اللجنة هو تكوين فريق علماء مصرى قادر على استغلال طاقة الليزر فائق القدرة لخدمة مصر، وإنى أشوف حلم إنشاء أول محطة توليد طاقة كهربية من الليزر فى مصر، واعتقد أنه رغم التكلفة الكبيرة لذلك، لكننا قادرون لو توافرت الإمكانيات.
لقد رفضت خوض الانتخابات والعمل بالسياسة.. فكيف ترين تجربة اثنين من العلماء عملوا بالسياسة "محمد البرادعى وعصام حجى"؟
الحقيقة أننى لما أتعامل معهما بشكل مباشر، لكن بالنسبة لى محمد البرادعى أضر نفسه بدخوله السياسة، وللأسف هو عكس أحمد زويل تماما، زويل واحد من أعظم من أنجبتهم مصر، وسعى لخدمة وطنه دون أى أغراض أو طمع فى مناصب، لكن البرادعى اقتحم السياسة لأغراض شخصية ومن أجل الوصول للمنصب، أما عصام حجى أراه مغرور ولا يستمع لنصائح أحد، ويكتب من أجل أن يقول "أنا هنا" وليس من أجل مصر.
العالمة لطفية النادى مع علماء مصر
هل أنت متفائلة بمستقبل مصر ومستقبل البحث العلمى بها؟
نعم، رغم كل التخوفات المشروعة، متفائلة جدا، خاصة أن مصر تشهد حاليا نقلة حضارية حقيقية، وأنا أرى أن الرئيس السيسى يريد أن يجعل مصر مثل أوروبا وأمريكا فى كافة المجالات، ويذكرنى فى ذلك بالخديو إسماعيل المؤسس الثانى لمصر الحديثة، ورغم معاناة الناس فى عملية الإصلاح الاقتصادى، إلا أنها كانت ضرورية، وأعطت أمل أن المستقبل أفضل.
الدكتورة لطفية النادى
لدى بعض الأسئلة الشخصية البعيدة عن الدكتورة لطفية النادى العالمة؟
كم كان أول راتب لكى؟
15 جنيها من هيئة الطاقة الذرية، وكان راتب زوجى وقتها 25 جنيها.
لماذا ارتديتى الحجاب فى سن 64 عام؟
"أنا عشت حياتى كلها غير محجبة وبلبس اللى عايزاه"، رغم أن والدى كان حاصلا على "عالمية" الأزهر، وارتديت الحجاب وسنى 64 عاما، واتخذت القرار فجأة وأنا استمع لسورة النور، لكنى تربيت على احترام الحرية الشخصية، ولا أحب التشدد أو الحكم على الأشخاص من خلال الزى.
أسرة الدكتورة لطفية النادى
أيهما أمهر.. لطفية النادى فى المعمل.. أم لطفية النادى فى المطبخ؟
"المفاجأة إنى ست بيت شاطرة جدا، وطباخة درجة أولى، وبعرف أعمل كل أنواع وأصناف الأكل أحلى من أى شيف محترف، والأفضل كمان إنى بفصل لبس حلو جدا، وكنت دايما أفصل لبس لأولادى".
ما أهم درس تعلمته لطفية النادى فى 85 سنة حياة؟
الإخلاص، ثم الإخلاص، والتمسك بالحلم لآخر نفس.
الدكتورة لطفية النادى
تكريم الدكتورة لطفية النادى
عدد الردود 0
بواسطة:
محسن
بارك الله فيكي يا دكتورة
مفيش خوف علي البلد طالما فيها علماء مخلصين وشرفاء مثل حضرتك يا دكتورة. ربنا يبارك لنا في عمرك.