فى الوقت الذى انقسم فيه الجمهور الافتراضى حول مطرب الشيفون أو مغنى الكلسون أو مطرب الشراب ومستعرض البيجاما، كانت هناك تجربة عملية ومناسبة ثقافية وفنية جذبت عشرات الآلاف من الجمهور من كل الأعمار، ونقصد محكى القلعة، المهرجان السنوى الناجح الذى ينعقد فى القلعة وهى مكان ساحر بكل المقاييس. محكى القلعة نجح وقدم على مدى أيام الانعقاد فقرات لمطربين ومنشدين وفرق شبابية، مطربون من أجيال متعددة وأذواق مختلفة وتنوع كبير وعروض متنوعة.
كل من اعتاد متابعة محكى القلعة سوف يكتشف أن هناك جمهورا متعطشا للفن، فرق فنون شعبية، موسيقى، فقرات فنية إلى آخر البرنامج، وقد شاهدنا 30 ألف متفرج لحفل عمر خيرت، وطوال فترة المهرجان كان هناك جمهور من كل الأعمار والفئات يزحف بحثا عن الفرجة والسمع والمشاركة فى حفلات حية، آلاف يسعون لحجز أماكنهم ويتحركون فى مجموعات من الشباب والفتيات، وقد رأيت بنفسى طوال فترة المهرجان شبابا من ركاب مترو الأنفاق يتفقون على الذهاب مبكرا لحجز أماكن فى محكى القلعة.
المهرجان تنظمه دار الأوبرا المصرية برئاسة الدكتور مجدى صابر، بالتعاون مع وزارة الآثار، وتستحق وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم بالفعل شكرا كبيرا على نجاح هذا المهرجان الثقافى والفنى، الذى قدم أكثر من 40 حفلًا، ما بين مُطربين مصريين وجنسيات مختلفة، من ياسين التهامى إلى هانى شاكر ومن على الحجار إلى محمد الحلو ومى فاروق، ومحمد محسن، وهشام عباس، وأحمد جمال، ومحمد عدوية، ومجد القاسم، ومدحت صالح، وغالية بن على، ودينا الوديدى، وحفل خاص للموسيقار عمر خيرت.
نحن أمام وجبة فنية وثقافية متنوعة وترضى كل الأذواق، وبالطبع لأن كل هذا البرنامج بتذاكر رمزية «خمسة جنيهات»، وقد يرى البعض أن رخص التذكرة وراء هذا الإقبال، والواقع أن التذاكر لو كانت أغلى فسوف يكون هناك إقبال، لأن المهرجان يقدم مطربين حقيقيين وفرقا مختلفة لكل منها جمهوره، ولو كان المكان يتسع لمائة ألف نظن أن أيا من هؤلاء يمكنه أن يجذب جمهورا، وهو جمهور متعطش للفرجة والاستماع والبهجة، وليس فقط للفرجة أو الادعاء بأنه حضر حفلا لمطرب يغنى بشراب فى دماغه أو كلسون فى رجله، وهو جمهور موجود ضمن تنوع اجتماعى واقتصادى موجود فى المجتمع من عقود ولم يخلق فجأة.
لكن تجربة محكى القلعة تعيد التذكير بأن جمهور الفن الجيد موجود ومتوفر وأن فرقة الموسيقى العربية أو الشيخ ياسين التهامى أو على الحجار أو غيرهما، وهذه المهرجانات لو تكررت فى أماكن مفتوحة لتحولت إلى مهرجانات وعناصر جذب ثقافى. وربما لو تكرر محكى القلعة مرات سوف يكون له جمهور.
نحن بالفعل بحاجة إلى الثقافة والفن والمسرح والسينما، وربما يكون دور وزارة الثقافة هو الوصول إلى الجمهور المحتاج وصاحب الذوق العام، لا أحد يصادر على أغانى المهرجانات أو مطربى «الشيفون والهيلانكا»، فهذه الأشياء لها أيضا جمهور يريد أن يتفرج ويشعر بسعادة لمجرد امتلاك تذكرة بالشىء الفلانى، بينما الجمهور العام يحتاج إلى تكرار لمحكى القلعة ومهرجانات تقدم له حفلات حية، وهو يؤكد أن الجمهور ليس كتلة واحدة وليس كله عاوز حفلات الكلاسين والشرابات.
محكى القلعة مهرجان ناجح ويستحق منظموه الشكر مع مطالب بالتكرار للفكرة فى معالم مصر الثقافية والسياحية.