مع اعتراف إيران أمس، السبت، بأن صاروخا أطلقته قد أسقط طائرة الركاب الأوكرانية بسبب خطأ بشرى، مما أدى إلى مقتل كافة ركابها البالغ عددهم 176، أصبحت طهران فى موقف صعب وتواجه الكثير من الأمور على المحك.
فبعد أن بدت طهران وكأنها انتقمت لمقتل قائدها العسكرى الأبرز قاسم سليمانى بتوجيه ضربات صاروخية لقواعد عسكرية أمريكية فى العراق، يأتى "الخطأ البشرى" ليقلق نظام طهران الكثير فى الداخل والخارج، ورصدت صحيفة "واشنطن بوست" أبرز التداعيات التى ستواجهها إيران من جراء هذا الاعتراف النادر بالنسبة لنظام طهران.
التداعيات الدولية
تم اسقاط طائرة الخطوط الجوية الأوكرانية بعد أربع ساعات من إطلاق إيران صواريخ باليستية على القوات الأمركية فى العراق ردا على قتل قائد فيلق القدس قاسم سليمانى، وفى هذه اللحظة المليئة بالتوتر، فإن النظام المضاد للصواريخ الذى يستخدمه الحرس الثورى أثبته فى أن الطائرة بوينج 737-800، هى صاروخ ، حسبما قال المسئولون الإيرانيون.
ويقول المحللون إن الأدلة الكاسحة المرتبطة بالحادث جعلت إنكار إيران أمرا لا يمكن الدفاع عنه، ومن ثم أصبح على طهران حساب الخطوات القادمة، وقد بدأت دول بالفعل فى وقف تحليق طائراتها إلى إيران مع المطالبة بإجراء تحقيق دقيق وشفاف.
على الصعيد الدبلوماسى، أحد الخيارات المطروحة، كما يقول الباحث فى شئون إيران أفشون أوستوفار، هو أن يفتح اعتراف طهران بالخطأ الباب أمام مجالات جديدة للحوار، معربا عن اعتقاده بأن هذا يمكن أن يسفر عن طرق عديدة للحد من العداوات.
لكن إيران سعت لتحميل واشنطن قدر من اللوم أيضا، حيث قال وزير خارجيتها جواد ظريف أن الخطأ البشرى فى وقت أزمة سببتها مغامرة الولايات المتحدة قد أدى إلى كارثة.
التداعيات القانونية:
بعيدا عن إيران، فقدت كندا وأكرانيا مواطنيهما فى الطائرة، وطالب فلودمير زيلينسكى، رئيس أوكرانيا بتعويض مالى للضحايا.
ويقول أستاذ القانون بجامعة ريتشموند كارل توبيس إن المدعين يمكن أن يقاضون إيران، ويمكن أن توجه اتهامات جنائية وتحميلها المسئولية لتركها مجالها الجوى مفتوحا، على الرغم من أن المضى قدما فى هذه الاتهامات ستعقد بسبب قضايا الاختصاص القضائى.
وفى عام 1988، أسقط الجيش الأمريكى طائرة إيران إير رحلة رقم 655 فوق مضيق هرمز، مما أدى إلى مقتل جميع ركابها وعددهم 290، وأنكرت الولايات المتحدة فى البداية التورط لكنها اعترفت لاحقا أن سفينة تابعة للبحرية اعتقدت أن الطائرة صاروخ إيرانى، ورفضت الولايات المتحدة الاعتذار أو تحمل المسئولية، وقامت إيران بمقاضاتها أمام محكمة العدل الدولية، ولتسوية الأمر وافقت واشنطن على دفع 61.8 مليون دولار لعائلات الضحايا.
ويقول الخبراء إن إيران ربما تستند إلى هذه القضية وتسعى إلى التمييز بين ردهم ورد الولايات المتحدة. وفى كلا الحالتين، سيرغب الإيرانيون فى تقديم أحد ما ككبش فداء، لكن ليس من الواضح من سيكون هذا الكبش.
التداعيات الداخلية:
يثير اعتراف إيران الذى جاء بعد أيام قليلة من تفاخرها بنجاح ضربتها ضد القواعد الأمريكية فى العراق، الكثير من الخاطر فى الداخل، حاولت إيران أن تبعد أية الله خامنيئ عن الموقف، وقالت إنه لم يعلم بالحقيقة سوى الجمعة وبعدها أصر على الشفافية، لكن هذا لم يوقف حالة الغضب السائدة.
وكتب رئيس تحرير وكالة تسنيم الإيرانية المقربة من الحرس الثورى على تويتر، إن تضليل المسئولين للشعب واضح وصارخ بقدر الكارثة نفسها.. والمسئولون الذين ضللوا الإعلام مذنبون أيضا، جميعنا نشعر بالخزى.
وقد أدى هذا الشعور السلبى إلى خطوة نادرة متمثلة فى الاحتجاج ضد خامنئى نفسه وقيادة الحرس الثورى فى شوارع طهران أمس السبتـ ويقول الخبراء إن ما يزيد الأمر سوءا أن إيران استخدمت الدقة والمهارة والعناية فى هجومها على القاعدتين الأمريكيتين، دون أن يسقط أى ضحية، لتظهر بعد ذلك التجاهل إزاء حياة مواطنيها.
كل هذا يترك إيران، التى تقترب من حرب مع الولايات المتحدة وتحاصر فى معارك إقليمية بالوكالة ومحاصرة أيضا بالعقوبات الأمريكية ناهيك عن مزاعم الفساد رد الفعل الداخلى الغاضب، فى موقف خطير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة