الأديب محمد حسين هيكل (1927) الذى أيد دعوة الاستلهام من التراث «خصوصا التراث الفرعونى المصرى القديم» فى الفن الحديث.
وقد كتب فى عام 1927 يرد على معارضى هذا الاتجاه يقول: «وإذا كان بين مظاهر عيشنا ومظاهر عيش الأقدمين خلاف.. فإن روحنا وروح الأقدمين متقاربتان.. بل متفقتان فى الانقباض والانبساط والحسرة والألم، والمظاهر التصويرية لهذه المشاعر أكبر دليل على هذا».
وقد أكد أهمية بعث الجديد من خلال الصورة القديمة.
كافح الفيلم على مدار تاريخه القصير فى عمر الفنون، ليحتل المكانة كفن كامل شامل.. جامع لكل الفنون.. لا يقل عن الرسم أو النحت أو الموسيقى أو الأدب أو الدراما فى شىء، الفيلم أحد أشكال التعبير الفنى.
لقد كان لدخول الاستعمار إلى البلدان العربية فى بلدان مثل مصر وسوريا ولبنان وبلدان المغرب العربى أثره فى أن سادت الاتجاهات الفنية الحديثة على فنون العالم العربى، وظلت محاولات الفنانين العرب عبر تلك الأزمنة..يعانون إشكالية المزج بين القيم الحديثة وبين قيمهم التراثية.
وفى مقالة صحيفة الأهرام.. يوضح كاتب هذه السطور أساس مشكلة عالمنا العربى مع النقد: «يعانى النقد فى البلاد العربية أزمة حادة، حيث إنه لم يرتق بعد ليصبح مهنة لها روادها ومفكروها وأصحاب الرأى فيها،
والنقد يقتضى التعبير عن وجهة النظر بالكتابة، والفنانون المشغولون بالأداء فى شتى الفروع ليس عندهم من الوقت ما يسمح بكتابة آرائهم وأفكارهم عن إنتاجهم وإنتاج غيرهم، ولذلك نجدهم قد تركوا هذا الميدان لبعض الذين يعملون فى الصحف، ثم يسترسل الكاتب موضحا بتفصيل أكثر «أن النقاد العرب كانوا أمام خيارين، الأول: أن يبدأوا من التراث العربى الذى يحمل من الإمكانات ما يمكنهم أن ينطلقوا منها لتأسيس حداثة ذات جذور»، لكن هذا الخيار كان صعباً لما يتطلبه من جهد وعمل وصبر وضبط هو فى الواقع مفقود.
وكان أن اتجهوا إلى الخيار الثانى وهو الذى «يثير البريق، ويغرى أجهزة الإعلام، ويحتل صاحبه مكانة خاصة... فنقلوا الإطار الغربى دون أن يعوا ملابساته التاريخية، وفلسفته الحضارية».
ولقد كان الإطار الغربى نابعا من البيئة الغربية ولا ينطبق على الفنون العربية إلا فيما ندر، مما دفع الفنون إلى التقليد والتأثر بكل ما هو غربى.
لقد كانت مصر هى متزعمة حركة الفنون فى العالم العربى، وصاحبة الأثر الأكبر فيها، بالإضافة إلى بعض الدول العربية الأخرى فى الشام والمغرب.
واستشهادا بأحد المقالات الأجنبية التى تؤرخ لبدايات فكرة النقد السينمائى وتطورها، أستعير تلك السطور القادمة..
«فى الثلاثينبات تحول الفيلم من مستوى فضولية أعمال «الفودفيل» إلى تيار عام لوسائل الترفيه.
وبدأت كل وسائل الإعلام بكتابة تقيم للأفلام بشكل دورى منتظم، وفى البداية كان القائمون على كتابه تلك التقييمات هم صحفيين متحولين من اقسام الصحافة الرياضيه أو غيرها..
ولكن لم يمض الوقت سريعا حتى أصبح هناك صحفيون متخصصون فقط فى أخبار وتقييمات أعمال هوليوود، وكان من أبرزهم على صفحات الجرائد.. «أوتيس فيرجسون» و«جيمس آجى».
بعد ذلك بسنوات، عرف « النقاد السينمائيون» بشكل واضح وبتخصصهم فى نقد الأفلام السينمائية.
النقد كان شكلا فنيا وفرصة للناقد ليضع بعض التعليقات الثاقبة والمستنيرة التى تضفى جمالا للعمل بقدر جمال العمل الفنى.
وتحول النقد السينمائى عن الناقد بقدر ما كان الفيلم!
حيث إن الناقد هو المخول الوحيد فى السوق الإعلامى لنقد الأفلام.. فإن «رأى هذا الفرد» كان له تأثير كبير على المشاهدين فى المنطقة، ولذا لم يكن من السهل للغاية الحصول على رأى ثانٍ!
وتم التعامل لتقييم الأفلام مثل المطاعم والفنادق، تم تصنيفها بالنجوم، وكان تصنيف أربع أو خمس نجوم علامة على فيلم جديرة بالاهتمام!
ولكن بمجرد وجود النقاد على شاشات التليفزيون.. تغير كل شىء!
لقد استطاع برنامج سيكل وايبرت «على شاشات السينما» «At the Movies» أن يحضر النقد نفسه.. والنقاد.. إلى غرفه معيشة الجمهور فى كل أنحاء البلاد!
وتخلصت مراجعاتهم من النقد الأدبى المتعجرف للعصور السابقة
على حد قولهم.. للتركيز بدلاً من ذلك على ما يهم: هل كانت الأفلام ممتعة؟ هل كانت تستحق المشاهدة؟
وحتى وفاة روجر إيبرت بقى هو الاسم الأكبر فى نقد الأفلام للعصر الحديث، وتم تعزيزه فى أذهان المشاهدين فى كل مكان، إلى أى مدى يمكن أن يكون تقييم «إبهامين لأعلى ولأسفل» هو التقييم العام للجماهير لتقييم الفيلم السينمائى!
ومع ذلك، ربما كان «إيبرت» هو الأخير من نوعه، جعلت الإنترنت الاستعراضات أكثر ديمقراطية.
الآن، مع وجود العديد من المدونات ومواقع المراجعة مثل «Rotten Tomatoes وMetacritic»، يمكن لأى شخص لديه رأى حول فيلم ما.. أن يعلن هذا الرأى على نطاق واسع، بل ويمكن لأى شخص يريد العثور عليه أن يراه، بدلاً من أن يكون هناك صوت واحد موثوق به بشأن الأفلام التى تستحق المشاهدة، أصبح هناك أشخاص لا حصر لهم- ولا نعرفهم أو نعرف اتجاهاتهم- لديهم آراء لا نهاية لها!
وقد أعلن هنا العديد من الصحفيين.. وفاة عصر.. نقد الفيلم، وبشكل عام يرى البعض الآخر أنه- ربما- يعد المزيد من الآراء أمرًا جيدًا.. على الرغم من أن ذلك يشكل مشكلة فريدة من نوعها فى نفس الوقت.
فعلى الرغم من وجود العديد من الآراء للاختيار من بينها، كيف سيمكننا معرفة أى منها.. نأخذ برأيه؟
والسؤال مازال مطروحا على الساحة حتى الآن: «هل يعتبر رأى ناقد سينمائى وحيد.. أمرًا ذا قيمة.. مثل الحصول على درجة متوسطة من مئات النقاد والمدونين؟!»
ويرى البعض.. ببساطة، أنها مسألة تفضيل.
يميل هواة السينما إلى اللجوء إلى نقاد معينين مثل David Edelstein
أو Elvis Mitchell الذين تتناسب أذواقهم مع ذوقهم الخاص، بينما يمكن للمشاهدين غير العاديين الذهاب إلى مواقع العامة من الناس «لمراجعة الأفلام وتقيمها» والحصول على إجماع أكثر عمومية حول جودة الفيلم.
ولايزال هناك بعض الرافضين الذين يعتبرون أن «العصر الذهبى» لنقد السينما قد انتهى، يمكن للآخرين أن يجادلوا بسهولة بأن إضفاء الطابع الديمقراطى على النقد السينمائى قد حول الميدان إلى ساحة لعب أكثر توازناً؟!
سواء كان هذا تطوراً إيجابياً أم سلبياً، فإن الأمر يرجع فى النهاية إلى أن يقرر كل فرد من رواد السينما الطريقة التى يرغب بها فى التعامل مع نقد الأفلام!
وللحديث بقية..
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة