من فضل الله تعالى على مصر الكنانة أن حباها بالمؤسسات الدينية الوسطية المعتدلة التى تعمل ليل نهار على نشر الأفكار الدينية المعتدلة ومحاربة الفكر المتطرف، إيمانا منها بأن ترك الجيش والشرطة فى مواجهة عصابات الجماعات الإرهابية لن يجدى نفعا ما لم تتكاتف جهود الدفاع المسلح مع الدفاع الفكرى، وبطبيعة الحال فى مقدمة هذه المؤسسات الأزهر الشريف كعبة العلم ومنارة الوسطية ومنبع الاعتدال، وبجوار الأزهر الشريف مؤسستان عريقتان على نفس المنهج والمنوال وإن اختلفت الوظائف والتخصصات؛ هما وزارة الأوقاف المصرية ودار الإفتاء المصرية، وهذه المؤسسات الثلاث ثلاثة فى العدد والتخصص والوظيفة لكنها واحدة فى الروح والتوجه والهدف والمقصد، فهى مؤسسات وطنية خالصة مخلصة تربع على سدتها خيرة العلماء الأجلاء الأوفياء للدين والوطن، وتعمل هذه المؤسسات جميعا على نشر قيم الإسلام الوسطى من خلال التعليم، والدعوة، والإفتاء، وتقف مع الدولة المصرية بشجاعة وإخلاص فى مواجهة موجات العنف والتطرف والإرهاب.
وأنا هنا أتكلم عن الضلع الثالث فى هذا الهرم العملاق، وهو دار الإفتاء المصرية بقيادة العالم الجليل الأستاذ الدكتور شوقى علام، وهى المؤسسة الشامخة التى كانت على قدر التحدى وأولت لمحاربة الأفكار الهدامة والمتطرفة عناية كبيرة وأهمية قصوى، ولم يقتصر دور دار الإفتاء المصرية على الإجابة عن أسئلة واستفسارات الجماهير، بل وسعت دار الإفتاء من تخصصاتها وإدراتها حتى تضع الإرهاب فى مرمى السهام الفكرية والفقهية من عدة جهات، فقامت دار الإفتاء المصرية بإنشاء العديد من الكيانات التى ترصد ظاهرة الإرهاب فكريا وحركيا، وتقوم بتحليل وتفنيد هذه الأفكار بطريقة علمية متخصصة، من خلال مرصد الأفكار الشاذة والمتطرفة، وهذا المرصد مختص بمقاومة التطرف والإرهاب، وتفنيد الأفكار المتشددة، ووضع استراتجية عملية مبنية على أن منشأ التطرف والإرهاب هو انتشار الفتاوى المغلوطة الشاذة، مبنية أيضًا على أن الإرهاب لا دين له ولا يستهدف فئة دون فئة، بل هو موجه إلى الإنسانية بشكل عام، وقد أصدر المرصد العديد من التقارير والاستشارات والدراسات والكتب التى تفكك البنية الفكرية للتنظيمات الإرهابية، ولم ينحصر دور المرصد على الحالة الرصدية التى قد يظن البعض أن مهمة المرصد تقف عندها، بل تجاوزها إلى الحالة التحليلية؛ فأصبح راصدًا للأحداث والفتاوى والآراء والتحركات الخاصة بالتنظيمات المتطرفة وعلى رأسها «داعش» و«بوكو حرام» و«الإخوان» وغيرهم من الجماعات المتطرفة، ومحللاً لكل هذه المفردات فى آنٍ واحدٍ، وأما عن مرصد الإسلاموفوبيا فقد أنشأ خصصيا لتحسين صورة الإسلام المغلوطة والشائعة فى الدول الغربية نتيجة الممارسات الإرهابية، مما نتج عنها عدة أعمال عنف وإرهاب مضاد ضد المسلمين، بل امتدت ظاهرة الإسلاموفوبيا إلى درجة المطالبة بالحد من وجود المسلمين فى المجتمعات الأوروبية والأمريكية، أضف إلى ذلك تنامى ظاهرة الاعتداء على المساجد والمراكز الدينية، وقد قام المرصد بإصدار العديد من المخرجات التى تصحح صورة الإسلام والمسلمين بعدة لغات منها الإنجليزية والفرنسية والألمانية، وقد أنشأت دار الإفتاء المصرية مركز الدراسات الاسترتيجية أيضًا، وهو من المراكز المهمة التى تعمل على التواصل مع دوائر صناعة القرار السياسى والإعلامى ومراكز الأبحاث والجامعات الدولية، لتزويدهم بالمنتجات العلمية التى تساعدهم فى وضع الحلول الجذرية لمشكلات التطرف والإرهاب، أما عن مواقع التواصل الاجتماعى فقد أطلقت دار الإفتاء المصرية عدة صفحات متنوعة ومتخصصة حصدت متابعات بالملايين، وقامت دار الإفتاء المصرية بتكثيف التواصل مع كبرى المؤسسات الإعلامية العالمية إداراكا منها لأهمية وخطر الإعلام، وقامت الدار بنشر عشرات المقالات فى كبرى الصحف العالمية تدحض فيها جميع الأفكار الهدامة، وتوضح الصورة الصحيحة عن الإسلام، وقد نتج تواصل الدار مع كل المؤسسات الدينية على مستوى العالم ثمرة كبيرة تمثلت فى إنشاء الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء العالم كهيئة إفتائية عالمية مقرها دار الإفتاء المصرية، وتقوم بتنسيق الجهود والأعمال لدور وهيئات الإفتاء فى العالم وتعمل على توحيد الجهود والأهداف مع عدم الإخلال بمقتضيات الخصوصية لكل دولة، وقد أسهمت الأمانة العامة فى رفع الكفاءة الإفتائية لكافة السادة المفتين، وكان من أهداف الأمانة ترسيخ منهج الوسطية فى الفتوى، وتبادل الخبرات العلمية والعملية والتنظيمية بين دور وهيئات الإفتاء الأعضاء، وتقديم الاستشارات العلمية والعملية لدُور وهيئات الإفتاء العالمية لتنمية وتطوير أدائها الإفتائى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة