الانقسام يبدو عنوانا مهما للأوضاع فى بريطانيا، فى الآونة الأخيرة، بين العديد من القضايا، تتراوح بين الخروج من الاتحاد الأوروبى "بريكست"، والذى نجم عنه حالة من الشقاق لم تقتصر على المؤسسات فيما بينها، سواء على مستوى المؤسسات الحاكمة (الحكومة والبرلمان)، أو الأحزاب، ولكن امتد إلى داخل المؤسسة الواحدة، وهو ما بدا واضحا فى استقالات متواترة للمسئولين، منذ استفتاء 2016، وانشقاقات للقيادات الحزبية، وميلاد أحزاب جديدة، ساهمت بشكل ما فى تغيير ملحوظ فى الخريطة السياسية البريطانية، مرورا بالحديث المتواتر عن انفصال أسكتلندا وأيرلندا عن التاج البريطانى، وحتى أزمات العائلة المالكة، والتى طالها هى الأخرى شبح الانقسام، مما وضعها فى مواقف حرجة، تختلط فيها الأوراق بين الماضى والحاضر، لتطرح تساؤلات عدة حول المستقبل.
ولعل الإعلان المثير للجدل للأمير البريطانى هارى، وزوجته ميجان ماركل، حول التخلى عن واجباتهما الملكية، باعتبارهما أعضاء فى الأسرة المالكة، فيما يمكننا تسميته بـ"هاريكست"، هو بمثابة فصل جديد، من تلك القصة، التى ربما بدأت قبل ما يقرب من ثلاثة عقود، عندما قررت الأميرة ديانا التخلى عن حياة القصور الفارهة، لتختار حريتها، عبر الانفصال عن تلك الأسرة منفردة، بالطلاق من ولى العهد البريطانى، الأمير تشارلز، إلا أن الموت ربما لم يمهلها كثيرا لتنعم بتعويض ما فاتها داخل أروقة القصر.
إعلان هارى وميجان، كانت له مقدمات ارتبطت بالجدل الذى ثار، منذ اليوم الأول لارتباطهما، مرورا بزواجهما، فى انتهاك للأعراف الملكية بأن يتزوج أحد أفراد الأسرة المالكة من سيدة مطلقة، حتى خروجهما فى النهاية من قصر باكنجهام، وتفضيلهما للاستقلال بحياتهما فى قصر مستقل، إثر خلافات بين ميجان وكيت ميدلتون، فى ظل انحياز ملكى صريح للأخيرة، ليأتى فى النهاية القرار الصادم بالتنصل من الصفة الملكية، ليكون تكرارا للقصة القديمة، والتى كانت بطلتها الأميرة ديانا، والتى كانت هى الأخرى محلا للجدل، سواء بأزيائها، أو أسلوب تعاملها داخل القصر، والذى اعتبره البعض منافيا للقواعد الملكية.
إلا أن قصة هارى وميجان ربما تحمل بعدا جديدا، يمثل تطورا كبيرا، إذا ما قورن بقصة ديانا، وهو أن ميجان لم تخرج وحدها من القصر، على غرار أميرة القلوب، كما اعتاد قطاع كبير من محبيها على تسميتها بهذا اللقب، وإنما قررت الخروج بصحبة زوجها الأمير، حفيد الملكة إليزابيث، الذى ربما يثق فيها أكثر من ثقته بذويه، ربما لطبيعتها المختلفة عن أفراد أسرتها، فهى فتاة ذات نزعة متمردة، ظهرت بوضوح قبل زواجها منه، باعتبارها ناشطة نسوية، سبق لها وأن هاجمت الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، إبان حملته الرئاسية الأولى، لا تسعى غالبا لمهادنة خصومها، حتى وإن كانوا من المقربين، وعلى رأسهم والدها، والذى سبق وأن رفضت ميجان دعوته إلى زواجها، وامتد بعد ذلك فى علاقتها المتوترة مع شقيق زوجها وليام، وزوجته كيت.
ميجان، التى أحبها هارى، كانت صورة من أمه، ليس فقط فى اختلافها عن عائلته، ولكن فى اعتزازها وتمسكها بهذا الاختلاف، فهى ترفض أن تكون صورة أخرى من أميرات العائلة، اللاتى تتمسكن بالقصر على حساب شخصياتهن، فآثر التمسك بها، حتى وإن كانت النتيجة هى الابتعاد عن العرش، الذى طالما أسال الاقتراب منه لعاب الكثيرين من أقرانه، وعلى رأسهم والده، الذى ترك والدته فى نهاية المطاف، للبقاء فى معية الأمراء.