ترى الدكتورة "أم الزين بنشيخة المسكينى" أن هناك "نزعة روحية عميقة ظهرت فى الفن الحديث والمعاصر منذ أواخر القرن الثامن عشر قد وجدت تعبيرات مختلفة لدى الفلاسفة والشعراء والأدباء والرسّامين من قبيل التصوّف اللغوى والتصوّف النووى والتصوّف المتوحّش والتصوّف الملحد".
وأصافت الكاتبة التونسية صاحبة كتاب "الفن والمقدس" الذى صدر عن مؤسسة مؤمنون بلا حدود، أن ظهور هذه النزعة بوضوح فى أعمال كل من فاسيلى كاندينسكى الذى كان يعتبر "اللون ضربا من الصلاة" فكان المطلوب وفق عبارته "إيقاظ هذه القدرة.. من أجل أن نعيش الروحنة فى الأشياء الماديّة وفى الأشياء المجرّدة".
وبلغت هذه النزعة الصوفية فى الفن قمتها مع أعمال "بول كلى" الذى رسم أكثر من تسعين لوحة للملائكة وكان يقول: "أنا فى هذه الدنيا فوق كلّ إدراك"، وهى العبارة التى تؤكد النزعة الصوفية الروحية فى أعماله.
وكتاب "الفنّ والمقدّس" يقدم مساحة فلسفية لمعارك خاضها العقل البشرى مع فكرة المقدّس الديني، بما هو باحة للقرابين منذ الديانات الوثنية وللذبائح مع الحروب الدينية.
والكتاب كتاب يراهن على فكرة أساسية هى قدرة الفنّ على اختراع مقدّسات جديدة تجعل الحياة ممكنة، على الرغم من سياسات الإنعاش والقحط وهى مهمّة لا يقدر عليها غير الذين يواصلون الأغنيات على إيقاع الكارثة، وربّما لا أحد فى وسعه أن يتماسك جيّداً غير الفنّانين والمبدعين، أو من فى وسعهم تحرير الحياة حيثما يقع اعتقالها، غير أنّ الحياة فى هذا العصر ما بعد الدينى وما بعد الإنسانى هى الموضوع الأساسى للمقدّس.
يقول الكتاب يعيش الغرب الحديث نهاية الدين التقليدى الذى يتحكّم فى المصير المدنى للإنسانية، كما أنه دخل منذ قرن فى أفق "المقدّس الدنيوي"، إنّ ما حدث تحديداً هو رسم الخرائط وتعيين الحدود بين أن تؤمن وأن تفكّر وأن تبدع، بين ما يدخل تحت سقف العقل البشرى وما يخرج عنه فيتحول إلى الخرافة والشعوذة والتعصّب بأشكاله.
والدكتورة أم الزين بنشيخة المسكينى، باحثة تونسية متخصصة فى الفلسفة، حاصلة على الدكتوراه فى الفلسفة الحديثة ببحث حول كانط وعلى التأهيل فى الفلسفة فى اختصاص فلسفة الفن والجماليات، لها مؤلّفات نظرية وإبداعية متنوّعة، منها "الفن يخرج عن طوره أو جماليات الرائع من كانط إلى دريدا ) بيروت: جداول، 2011 (وجرحى السماء. رواية) بيروت: جداول، 2012 و(تحرير المحسوس. لمسات فى الجماليات المعاصرة )بيروت: دار ضفاف، 2014).