يعانى العراقيون كثيرًا، لسنوات طويلة من حروب واحتلال وصراعات واختلافات دائمة، دفع ثمنها الشعب العراقى، وقد رصد كتاب "ثقافة العنف فى العراق" لـ سلام عبود الكثير من الدوافع التى أوصلت "بغداد" إلى ما وصلت إليه، وكان المدون "متعب الشميرى" قد أشار على صفحته الشخصية بـ"تويتر" إلى أهمية الكتاب.
يقول الكتاب الصادر عن دار نشر منشورات الجمل: "إن حالة الالتباس السياسى فى الوضع العراقى وما يلازمها من تعقيد فكرى وسلوكى، أدى فى أحوال كثيرة إلى تحول الجدل أو البحث فى أصغر المواضيع إلى رطانة لا منطق لها. هذا الموضوع حفّز الكاتب على إعادة النظر فى بعض الأمور الثقافية - الاجتماعية وإعادة النظر فى مبدأ رؤية هذه الأمور وذلك من خلال نصوص جمعها الكاتب من أعمال أدباء وكتاب ومثقفين عراقيين مكتفياً بتلك التى خصّها الإعلام بشىء من الاهتمام وهى نصوص لا تتميز بالسوء أو الجودة قياساً بغيرها، لكنها متميزة بوضوح القصد فيما يتعلق بموضوع: حرية التعبير والموقف الأخلاقى للكاتب والنص، ففى نصوص الحرب التى زخر بها عقد الثمانينات فى العراق توجد كمية كبيرة من النصوص التى تستحق الإدانة بحق.
يقول الكتاب "لم تكن تلك النصوص هدف الكاتب، وإنما كان هدفه القيام برحلة قصيرة تتقصى أساليب وطرق الكتّاب المتنوعة فى التعبير عن ذاتهم، وهم يقفون فى مواجهة واقع مأساوى ظالم، وهى أيضاً رحلة الكاتب، فى سبل التأقلم والتكيف، التى تقيمها الذات مع نظام سياسى واجتماعى شديد القسوة".
ويتابع إذن، فالكتاب يضمّ بحثاً يتوخى دراسة اجتماعية ذات منحى أخلاقى وهذا المنحى هو الهدف المباشر لمجمل الملاحظات والمقارنات والتحليلات التى تناولها الكتاب، وموضوع المسئولية الأخلاقية هذا، يناقش من خلال مبحثين متداخلين هما، أولاً: الحرب والعنف، وثانياً: سبل التعبير عنهما فى الأدب العراقى، وعلى وجه الدقة درجة تطابق هذا الأدب مع أهداف السلطة وسياستها، سواء قصد كاتبوها ذلك عن وعى وإرادة، أم لم يقصدوا، فهو بحث أخلاقى فى مبادئ العنف الرسمي، السلطوى وسبل التعبير عنها ثقافياً، أو سبل تداولها أدبياً ويقول الكاتب أنه باستطاعة القارئ أن يسمى هذه الدراسة، بأنها اصطياد فى الماء العكر. وهذا نابع من شعور الكاتب الذى لازمه أثناء دراسته للنصوص، منذ بداية تجميعه لها، فكان كلما فتح صفحة جديدة من كتاب خفق قلبه بشدة وهو يمضى قدماً فى دراسة نص ما، خشية أن تقع عيناه على كلمات تحمل مشاعر عدوانية أو كاذبة أو منافية لمبادئ الضمير، وهى كثيرة إلى حدّ مقرف وممل، فليس مبهجاً أن تقرأ ذلك، وليس مبهجاً أن تذهب لتجمع الأدلة والبراهين حول ذلك، والأكثر بشاعة هو أن تكتشف وجود ذلك فى مواطن لا تحب أن تراها، وفى أشخاص لا تودّ لهم أن يكونوا هناك. لكن الواقع القاسى له أحكامه القاسية.