أراد الملك فاروق عقد قرانه على عروسه الآنسة صافيناز ابنة يوسف»بك»ذوالفقار المستشار بمحكمة الاستئناف المختلطة، لكنه لم يرغب فى اتمامها أثناء وزارة مصطفى النحاس باشا، حسبما يذكر الدكتور محمد حسين هيكل باشا فى الجزء الثانى من مذكراته،مؤكدا،أنه بعد إقالة وزارة النحاس يوم 30 ديسمبر عام 1937 ،وإسناد الوزارة الجديدة إلى محمد محمود باشا،حدد فاروق موعد قرانه يوم 20 يناير،مثل هذا اليوم، 1938.
كان فاروق يبلغ 17 عاما وتسعة أشهر و9 أيام”مواليد 11 فبراير 1920”،وكان يمارس سلطاته الدستورية كملك منذ يوليو 1937،أى قبل أن يبلغ سن الثامنة عشر،وهو السن الذى اشترطه الإصدار الملكى الصادر فى أبريل 1922 بشأن تنظيم عرش المملكة المصرية ،وينص فى مادته الثانية على أنه”يبلغ الملك سن الرشد إذا اكتمل له من العمر ثمانى عشرة سنة”،وفقا للدكتور يونان لبيب رزق فى كتابه”فؤاد الأول،المعلوم والمجهول».
بعد وفاة والده الملك فؤاد الأول فى 28 أبريل 1936،عاد فاروق من دراسته فى لندن يوم 6 مايو 1936،ولأنه قاصر تم تشكيل مجلس وصاية برئاسة الأمير محمد على توفيق أكبر أمراء الأسرة الملكة سنا..وتذكر الدكتورة لطيفة سالم فى كتابها»فاروق وسقوط الملكية فى مصر»،أن فاروق مارس سلطاته الدستورية بعد فتوى من الشيخ المراغى شيخ الأزهر،ببلوغه 18 عاما فى يوليو 1937 طبقا للشهر الهجرى الذى يحل أثناء هذا الشهر الميلادي،وذلك لأننا دولة إسلامية يحتسب تقويمها هجريا،وأدى ذلك إلى اختصار سبعة أشهر من عمر فاروق بالتقويم الميلادي.
بقيت خطوة زواج فاروق ليستكمل صورته الملكية،وحسب كتاب»فريدة ملكة مصر تروى أسرار الحب والحكم»لفاروق هاشم،فإن فاروق تعرف علي»صافيناز»وعمرها 15 عاما حين ذهبت إلى القصر مع والدتها وصيفة الملكة نازلى والدة فاروق،ثم سافرت مع الأسرة الملكية إلى أوربا فى رحلة استمرت 4 شهور،بدأت من 27 فبراير إلى 25 يوليو 1937،لتتم الخطوبة بعدها،وفى 20 يناير 1938 تم عقد القران.
كان الدكتور محمد حسين هيكل باشا ممن حضروا حفل عقد القران،وكان وزيرا للمعارف فى وزارة محمد محمود باشا التى تشكلت خلفا لوزارة”النحاس”،ويكشف فى مذكراته:»ذكر لى محمد محمود باشا،أن الملك لم يكن يريد أن يعقد قرانه فى عهد وزارة النحاس،فلما أقبلت وتألفت وزارة محمد محمود،حدد جلالته يوم 20 يناير 1938 موعدا لعقد القران،وحضرنا الحفلة وكانت بسيطة فى قصر القبة،ووزعت علينا أثناءها وبعد تمام العقد»علب الملبس» الفاخرة،ثم مررنا بالملك مهنئين وانصرفنا،ومن يومئذ أصدر الملك أمره بتغيير اسم الملكة فأصبحت الملكة فريدة،واختار هذا الاسم المبتدئ بحرف الفاء تأسيا بوالده الملك فؤاد إذ دعا أبناءه جميعا بأسماء مبتدئة بهذا الحرف”.
لماذا كره الملك أن يعقد قرانه أثناء وزارة»النحاس باشا»؟..الإجابة تعكس قصة الصراع بين الطرفين فى هذه المرحلة،واستخدام ورقة زواج الملك فيه للتقرب من الشعب،وكان هناك من يخطط لهذا الأمر فى القصر الملكي..تذكر لطيفة سالم:”بدأت خطوات الصراع بين فاروق والنحاس قبل أن يتولى الأول سلطاته الدستورية،وانتهت مرحلتها الأولى بالتفوق الملكي”.
تذكر»سالم»،أن شهر مايو 1936 جمعهما من حيث اعتلاء العرش وتولى الوزارة الوفدية،ووجد زعيم الوفد أن الفرصة سنحت لحزبه لتحجيم الدور الملكي،وبالتالى دخل دخلته القوية،وفشل أحيانا،ونجح أحيانا أخري،..ففى سجل الإخفاق،لم يستطع تنفيذ ماكان يسعى إليه بشأن إقامة وزارة للقصر،بسبب معارضة لندن»الاحتلال البريطاني»لخشيتها من سيطرة الوفد على القصر..أما سجل انتصار النحاس فبدأه بإحباط مخطط إقامة احتفال دينى يتوج فيه الملك،بالإضافة إلى حفل أداء اليمين أمام البرلمان.
توضح»سالم»السيناريو الخاص بالاحتفال الديني،وكان يتلخص فى أن يدعى الأمراء وكبار الرسميين وممثلو الهيئات السياسية وكبار العلماء والشيوخ والقضاة،ويقف شيخ الأزهر بين يدى الملك ويدعو له،ويتلو صيغة معينة،ويجيب الملك عن كل سؤال فيها،ويقسم اليمين بالولاء لشعبه والبر بقوانينه والعمل على رفاهية أمته وسعادتها،ثم يقدم شيخ الأزهر سيف محمد علي.
تضيف سالم:”رفضت حكومة الوفد هذه المسألة بشدة،حيث فصل الدين عن الدولة قاعدة أساسية فى سياسة الحزب الليبرالية،بالإضافة إلى التزامها بالدستور الذى يخلو من مثل ذلك الإجراء،ومالبث الأمر أن تحول إلى قضية رأى عام،وحسمت المسألة لصالح الوفد».
انتصر النحاس على الملك فى هذه الجولة،ووفقا لسالم:» تبعها جولتين أخريين هما،رفض النحاس أن يؤدى الملك صلاة الجمعة فى الجامع الأزهر،وحلت فى أحد أيام الاحتفال بالتتويج،ورفض أن يضع رئيس مجلس الشيوخ تاجا على رأس فاروق باسم الأمة فى احتفال مهيب”.
واستمرت القصة
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة