لم أتخيل أن يثير نشر فيديو للفنان الكبير يوسف فوزى خلال حواره الذى انفرد به اليوم السابع متحدثا عن حالته الصحية ومطمئنا جمهوره وطالبا منهم الدعاء كل هذا الجدل والانتقاد والتنمر.
لم أتخيل أنه حين يظهر الفنان بموافقته وبكامل إرادته ليطل على جمهوره ويرسل لمشاهديه رسالة طيبة أن تثور بعض الأقلام وتنتقد هذا الظهور، بل ويتجاوز البعض ليدعى بسذاجة أنه تم تصوير الفنان خلسة، وأن ظهوره عمل غير أخلاقى ولا يتناسب مع المعايير المهنية، وكأنهم بهذا الهجوم يبعثون برسالة سلبية قاسية للفنان الكبير ويتنمرون عليه وعلى مئات بل ألاف المرضى بدعوى الشفقة والعطف المصطنع ، يقولون لهم فى هذه الرسالة القاسية: لا تظهروا علينا، لا نريد أن نراكم بالحالة التى أصبحتم عليها، اختبئوا بمرضكم وابتعدوا عن الحياة والناس حتى لا نشفق عليكم.
أرسل البعض بهجومهم دون أن يدروا رسالة لمرضى السرطان الذين ينهش المرض ملامحهم ويتساقط شعر رؤوسهم، ورسالة لمرضى الشلل الرعاش، ومرضى البهاق ومصابى الحروق والحوادث والفنانين الذين تغيرت ملامحهم أو أصابهم الشيب والضعف وعلامات الزمن، لا تظهروا علينا حتى لا نشعر بالشفقة، ابقوا فى بيوتكم اتركوا أعمالكم ، واعتزلوا الناس، فنحن لا نتقبلكم بما أصبحتم عليه والحجة أننا نشفق عليكم وأنكم تثيرون التعاطف.
منذ فترة أعددت خطة لإجراء عدد من الحوارات مع النجوم الذين أعطوا الفن بلا حدود وأمتعوا الجماهير على مدار أجيال، وكنت أتواصل مع الفنان الكبير يوسف فوزى بشكل شخصى وإنسانى للاطمئنان على صحته بين حين وأخر، واقترحت عليه أن نجرى حوار لليوم السابع، وبالفعل وافق الفنان الكبير مشكورا ورحب بالحوار، وكعادتى مع المصادر استأذنته فى اصطحاب مصور فرحب أيضا.
انتقلنا إلى منزل الفنان يوسف فوزى ولم يكن الحصول على الفيديو هو الهدف الأساسى من إجراء الحوار، كنت أظن أننى سأجد الفنان الكبير فى حالة صحية ونفسية سيئة، ولكنى وجدته يتمتع بحالة نفسية مرتفعة ويحتفظ بروح الدعابة والذهن الحاضر وحالة واضحة من السكينة والرضا.
كان الفنان الكبير يتسم بالود الشديد، استقبلنا من باب الشقة وبعد انتهاء الحوار أوصلنا حتى باب المصعد، وطوال الحوار الذى استمر ما يقرب من ساعتين لم يكف عن الضحك والدعابة، كان راضيا لا يسخط على المرض ولا يلوم زملائه، بل أكد أنهم جميعا يتواصلون معه ولم يقصروا فى حقه وأنه هو الذى يعتذر أحيانا عن استقبال الزيارات.
تحدث يوسف فوزى عن كل شىء، عن أدواره وذكرياته وطفولته ومواقفه مع كبار الفنانين ومنهم الفنان أحمد زكى الذى توقع له أن يكون رشدى أباظة الثانى خلال 3 سنوات بعدما شاركه فى فيلم النمر الأسود، وتحدث عن رحلته الفنية والإنسانية، وعن زيجاته وأبنائه، وعن بداية اكتشافه للمرض، وقرار اعتزاله فى 2015 وإمكانية عودته فى أدوار تتناسب مع حالته الصحية، وكيف تغيرت حياته بعد إصابته بالمرض، وفى كل هذا كان يتسم بحالة من الإيمان والرضا والمصالحة مع النفس.
الفنان يوسف فوزى خلال حواره لليوم السابع
تحدثنا معه عن حب الجمهور واحترامه له ورغبته فى أن يطمئن عليه، واستأذناه هل يسمح بأن نصور بعض اللقطات بالفيديو فرحب ترحيبا كبيرا، وبالفعل تحدث للجمهور وسألهم أن يدعو له ويترحموا على الفنانين الذين رحلوا، مؤكدا أنه لن يعود للتمثيل من جديد ويكتفى بما قدم.
وبمجرد نشر الفيديو لاقى صدى وانتشارا واسعا من الجمهور المشتاق للفنان يوسف فوزى وتعاطفا كبيرا ودعاء الملايين من محبيه فى مصر والعالم، ومع هذا الانتشار الواسع انطلق الكثيرون ليكيلوا الاتهامات لليوم السابع بأنه استغل مرض الفنان للحصول على الترافيك، وأن ظهوره فى الفيديو بحالته المرضية أمر لا يتناسب مع المعايير المهنية، بل تجاوز البعض وادعى أنه تم تصويره خلسه دون علمه.
انهالت الاتهامات بدعوى التعاطف مع الفنان الكبير واحترام خصوصيته وحالته المرضية، على الرغم من أنه تم استئذانه قبل تصوير الفيديو ووافق بكامل إرادته ورغبته ولم يخجل من أن يظهر أمام جمهوره بالحالة التى أصبح عليها، ورغم ذلك أراد المزايدون أن يؤكدوا برسالتهم ورفضهم لظهوره أن الفنان يوسف فوزى وغيره من المرضى عليهم أن يخجلوا من الظهور وأن يختبئوا بأمراضهم، وبمنتهى الأنانية لم يتقبل البعض ظهوره بحالته الحالية وكأنهم يريدون أن يروا الفنان فى حالة القوة والوسامة والتألق ويرفضون أن يروه بشرا عاديا يصيبه المرض والشيخوخة، ويرسلون له رسالة بأن عليه ألا يظهر هكذا، وأنه يجب أن يظهر لنا بزوايا معينة لنرى منه ما نحب أن نراه منه وليس ما هو طبيعى وواقعى، على الرغم من أن الكثيرين من الفنانين الأجانب لا يخجلون من حالهم الصحية ومرضهم ويظهرون على الجمهور بحالتهم الطبيعية مهما أصابهم المرض وتغيرت حالتهم وأصبحوا فى صورة غير التى اعتادها الجمهور، دون أن يعترض أحد على ظهورهم بل وقيامهم ببطولة بعض الأعمال التى تتناسب مع حالتهم.
وعلى الرغم من أن الفنان يوسف فوزى أكد أنه سعيد بردود الأفعال التى أحدثها الفيديو والحوار استمر الهجوم على اليوم السابع.
نستوعب أن يكون البعض أصابتهم الصدمة بعد أن رأوا الفيديو، أو شعروا بالحزن بسبب تأثير المرض على الفنان الكبير، وهذا بدافع محبته ومكانته فى نفوس الملايين، ولكن لا شك أن عددا ممن هاجموا نشر الفيديو أرادوا المزايدة على اليوم السابع بدعوى التعاطف والشفقة، وبادعاء الحفاظ على المهنية دون أن يدروا أنهم بذلك يمارسون التنمر على الفنان الكبير والحالات المشابهة ممن أثر عليهم المرض أو الشيخوخة أو الحوادث أو غيرها.
ونسأل هؤلاء الذين تنمروا وانتقدوا ورفضوا ظهور الفنان الكبير يوسف فوزى فى الفيديو : لماذا انتفض الناس ليدعموا الفنان رامى جمال بعد إعلانه إصابته بمرض البهاق وطالبوا باستمراره ،مؤكدين أنهم يتقبلونه بمرضه ويستمتعون بفنه، وهل لو لا قدر الله انتشر المرض فى وجهه وجسده سيقولون له كفاك فنا وابتعد حتى لا نشعر بالشفقة نحوك، وهل نقول لمرضى السرطان الذين نال المرض من ملامحهم:ابتعدوا واختبئوا واعتزلوا الناس واخجلوا من تأثيرات المرض، وكذلك نفعل مع مصابى الحروق والحوادث، ألا يعد هذا تنمرا ضد هؤلاء جميعا ودعوة لانسحابهم من الحياة.
يوسف فوزى لم يخجل من ظهوره بحالته فلماذا يدعوه المزايدون للخجل، فالفنان الكبير متصالح مع نفسه ومتقبل حالته ومرضه، فلماذا لا يتقبل البعض ظهوره بدعوى التعاطف المصطنع، وهل ندعوه أن ينعزل وينغلق ويبتعد عن الناس والظهور؟
وعلى الرغم من أنه أعلن أنه لن يعود للتمثيل فماذا لو فكر يوما أن يتراجع عن قراره وأن يؤدى دورا يناسب حالته، هل يتذكر رفض البعض لظهوره بالتغيرات التى أصابته بسبب المرض؟
كان الفنان الكبير فى حالة نفسية ومعنوية مرتفعة بعد ظهوره فى فيديو اليوم السابع وتلقيه مئات الاتصالات من الفنانين والجمهور وبعض الأطباء الذين أكدوا أنه يمكن علاج حالته، وفى زيارة وفد اليوم السابع له بعد انتشار الفيديو ونشر الحوار كانت معنوياته مرتفعة بشكل كبير وأبدى سعادته من ردود الأفعال وقضينا معه أكثر من ساعة لم يكف خلالها عن الضحك والدعابة، وهو يحكى عن الفتيات اللاتى تواصلن معه من كل المحافظات ليؤكدن أنهن معجبات بوسامته حتى أن إحداهن غنت له فى التليفون " ياواد ياتقيل"، وكان الفنان الكبير فى منتهى السعادة، يشعر بالامتنان لجمهوره الذى غمره بالحب والدعاء والكلمات الطيبة.
وبالرغم من أن الفنان الكبير كان يؤكد من قبل أنه يخشى الظهور فى البرامج الفضائية، إلا أنه وبعد هالة الحب التى أحاطته من زملائه وجمهوره بعد فيديو اليوم السابع وافق على الظهور فى عدد من البرامج وعلى استقبال الزيارات لمن أبدوا رغبتهم فى زيارته بعد نشر الفيديو والحوار.
وأخيرا علينا ألا نحجر على الناس طالما يفعلون ما يريدون دون إجبار أو خداع، وألا نحكم عليهم بالعزلة والاختفاء والانسحاب بدعوى التعاطف المصطنع، علينا أن نقبل الناس كما هم بضعفهم وتغيرات شكلهم، باختلافهم ومرضهم وشيخوختهم، وأن نساعدهم على أن يظهروا ويمارسوا حياتهم بشكل طبيعى دون خجل، وألا نشعرهم بأن مرضهم ضعفهم الإنسانى عورة عليهم إخفائها.