قال اللواء محمود توفيق فى كلمة له بمناسبة عيد الشرطة :"يوافق إحتفالنا بعيد الشرطة والذى يوافق الذكرى الثامنة والستين لمعركة الإسماعيلية المجيدة تلك الذكرى الغالية فى سجل الوطنية المصرية والتى رسخت فيها بطولات رجال الشرطة قيم التضحية والفداء والإستبسال دفاعاً عن تراب هذا الوطن وكانت وبحق ملحمة كفاح ونضال ستظل على مر العصور شاهدة على نبل البطولة وشرف الصمود، واليوم نستقبل هذه الذكرى الوطنية الخالدة وقد أثبتت الأحداث رشد رؤيتكم سيادة الرئيس حيث مضت المتغيرات العالمية والإقليمية المحيطة فى تسارع محموم وعصفت باستقرار أوطان كانت مستقرة وضاعت بسببها سيادة دول".
وأضاف وزير الداخلية خلال كلمته بحفل عيد الشرطة:"لقد تضاعفت مخاطر الإرهاب وتنامت شراسته بعد أن أصبح أداة صريحة لإدارة الصراعات وتنفيذ المخططات والمؤامرات وفى مواجهة كل هذه المخاطر كان الوضع الأمنى المتميز لمصر ولا يزال تجسيداً لموقف دولة وقرار قيادتها وإرادة شعبها وكان حصاداً لتضحيات رجال الشرطة الأوفياء وهم على قدر كبير من الوعى بمسئوليتهم فى إنتهاج المزيد من سبل التطوير والتحديث فى ظل معطيات متغيرة يدركون أن آفة الإرهاب لم تنتهى وأن الأمر يتطلب إستمرار اليقظة والجهد لمحاصرة وتطويق أية محاولات يائسة لزعزعة الأمن أو المساس بمكتسبات الشعب المصرى العظيم".
وتابع :"ومن هنا ارتكزت الإستراتيجية الأمنية المعاصرة على ثوابت جوهرية يأتى فى مقدمتها نجاح الضربات الأمنية الإستباقية فى تفكيك الخلايا الإرهابية ودحرها ورصد وإحباط تحركات عناصرها ومواجهة مخططاتهم للإخلال بالأمن والتى لا تقف عند الأعمال التخريبية فحسب بل تمتد لتشمل حروب الجيل الرابع والخامس من إستقطاب للشباب بالأفكار والأخبار المغلوطة وترويج الشائعات والدعوة لإستخدام العنف، وستظل السياسة الأمنية تعمل بقوة لتحقيق المزيد من الكفاءة فى الأداء وتطوير الإجراءات الوقائية والإحترازية لدحض المحاولات الخبيثة والمستمرة لجماعة الإخوان الإرهابية والتى تدير حركات التنظيمات الإرهابية بمختلف مسمياتها للنيل من إستقرار الدولة المصرية فى ظل عوامل متداخلة لمناخ إقليمى يسوده الإضطراب والعنف ويتيح للإرهاب فرص الدفع بظلاله السوداء".
وأردف توفيق:"ووسط كل هذه التحديات استطاعت الجهود الأمنية تحقيق المواجهة الحاسمة لكافة صور الجريمة الجنائية وأنماطها من خلال إنتهاج الأساليب العلمية المتطورة وإستخدام التقنيات الحديثة فى مجال كشف الجرائم وجمع المعلومات والأدلة الجنائية وتطويعها لدعم خبرات ومهارات رجال الشرطة من منطلق أن مسار التطوير والتحديث لم يعد فقط سبيلاً لتحقيق الأهداف بل هو بمثابة ركيزة أساسية لمواجهة كافة الجرائم والأنماط المستحدثة منها وكان حصاد ذلك فرض الأمن فى الشارع المصرى وتحقيق إنخفاضاً فى معدلات الجريمة وإرتفاعاً فى نسب تفكيك وضبط البؤر الإجرامية والتشكيلات العصابية بصورة متميزة الأمر الذى جعل مصر تتبوأ مرتبة متقدمة بين الدول الأكثر أمناً وإستقراراً على مستوى العالم، كما حرصت الوزارة فى سبيل تحقيق نقلة نوعية فى كفاءة الأداء الأمنى على التوسع فى إستخدام تطبيقات علوم الحاسب الآلى وتقنيات شبكات المعلومات والإتصالات بهدف إستكمال وتدقيق قاعدة البيانات والمعلومات بالتنسيق مع وزارات الدولة المعنية توافقاً مع توجه الدولة نحو التحول الرقمى فى كافة المجالات فضلاً عن إتخاذ إجراءات الربط والتكامل مع النيابة العامة والمحاكم المختصة".
وتابع توفيق:" تمضى جهود رجال الشرطة فى الإرتقاء بمستوى الخدمات الأمنية التى تتصل بسير الحياة اليومية للمواطنين وإعتبار ذلك محوراً أساسياً فى سياسات الوزارة وهو ما تترجمه الخدمات الأمنية التى تم ميكنتها وإتاحتها للمواطنين سواء عبر المواقع الرسمية للوزارة وتطبيق الهواتف المحمولة أو بالمواقع التى تقدم هذه الخدمات ويجرى حالياً إستكمال تلك الجهود بما يحقق التيسير فى أداء الخدمة الأمنية وتحقيق الجودة والإتقان فى معدلات تقديمها، وإنطلاقاً من دور مصر المحورى على المستويين الإقليمى والدولى إستقبلت المعاهد الشرطية العديد من الكوادر الأمنية من الدول العربية والإفريقية للتدريب على مختلف المجالات الأمنية فضلاً عن تنظيم الدورات التدريبية التخصصية فى مجال مكافحة الهجرة غير الشرعية وقيادة الوحدات الشرطية المشاركة ببعثات حفظ السلام بالتنسيق مع الأمم المتحدة.
واستطرد وزير الداخلية: "إن ما حققته وزارة الداخلية من نجاحات رصدتها الأرقام والدلائل والإحصائيات كانت وبحق تتويجاً لجهود مضنية حرصت فيها الوزارة على الإرتقاء بمعدلات الأداء ومواصلة تطوير كفاءة العنصر البشرى من خلال إنتهاج منظومة تدريبية متميزة وتعاون وتنسيق مع قواتنا المسلحة فى مواجهة الإرهاب البغيض وحماية الجبهة الداخلية.
وتابع :"فى تلك المناسبة الوطنية التى يحفظها التاريخ للشرطة المصرية أبعث برسالة تقدير وعرفان لكل رجال الشرطة على إمتداد مواقع العمل الأمنى فى كافة أرجاء البلاد وهم يواصلون الجهد والعطاء والتضحية لأداء رسالتهم العظيمة فى الحفاظ على أمن وإستقرار الوطن.. كما أتوجه بتحية تقدير إلى قواتنا المسلحة الباسلة التى تجسد فى تلاحمها مع وزارة الداخلية أصدق علاقات التكامل والترابط الوثيق بين الأمن بجناحيه الداخلى والخارجى، وكل الوفاء والتوقير لشهدائنا الأبرار فى معارك النضال الوطنى وفى ملاحم العمل الأمنى داعين المولى عز وجل أن يكون أداؤنا وجهدنا متصلاً بعطائهم وتضحياتهم الغالية.
واستكمل:"لقد كان تكليف سيادتكم بأن يكون أمن مصر فى قلب العمل الوطنى وفى مقدمة أولوياته وإنطلقت الخطط الأمنية فى تنفيذ ذلك بكل دقة وإتقان ليظهر وجه مصر الحضارى وصورتها الحقيقية للعالم بأسره كمنارة تجتمع فيها الشعوب عبر مؤتمرات ومنتديات إقليمية ودولية لمناقشة طموحات ورؤى تحقيق التنمية والأمن والسلام، ولسوف يسطر التاريخ لكم سيادة الرئيس، قيادتكم للوطن فى مرحلة من أدق مراحل التحديات الكبرى والمصيرية والتى أعليتم فيها السيادة الوطنية فوق كل إعتبار ومواجهة المخاطر الجسام بكل عزم وإصرار أثبتم أن مصر شامخة بأبنائها قوية بمبادئها لا تنال منها مؤامرات الغادرين مهما بلغت وأحقاد الطامعين مهما تعاظمت حفظ الله مصرنا الحبيبة بكم وحفظكم سيادة الرئيس لمصر قائداً راعياً للتنمية والإستقرار سنداً للحق والعدل.
وتبدأ قصة معركة الشرطة فى صباح يوم الجمعة الموافق 25 يناير عام 1952 ، حيث قام القائد البريطانى بمنطقة القناة "البريجادير أكسهام" باستدعاء ضابط الاتصال المصرى، وسلمه إنذارا لتسلم قوات الشرطة المصرية بالإسماعيلية أسلحتها للقوات البريطانية، وترحل عن منطقة القناة وتنسحب إلى القاهرة فما كان من المحافظة إلا أن رفضت الإنذار البريطانى وأبلغته إلى فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية فى هذا الوقت، والذى طلب منها الصمود والمقاومة وعدم الاستسلام.
وكانت هذه الحادثة أهم الأسباب فى اندلاع العصيان لدى قوات الشرطة أو التى كان يطلق عليها بلوكات النظام وقتها، وهو ما جعل اكسهام وقواته يقومان بمحاصرة المدينة وتقسيمها إلى حى العرب وحى الإفرنج، ووضع سلك شائك بين المنطقتين، بحيث لا يصل أحد من أبناء المحافظة إلى الحى الراقى مكان إقامة الأجانب، هذه الأسباب ليست فقط ما أدت لاندلاع المعركة، بل كانت هناك أسباب أخرى بعد إلغاء معاهدة 36 فى 8 أكتوبر 1951 أغضبت بريطانيا غضبا شديدا، واعتبرت إلغاء المعاهدة بداية لإشعال الحرب على المصريين ومعه إحكام قبضة المستعمر الإنجليزى على المدن المصرية ومنها مدن القناة والتى كانت مركزا رئيسيا لمعسكرات الإنجليز، وبدأت أولى حلقات النضال ضد المستعمر، وبدأت المظاهرات العارمة للمطالبة بجلاء الإنجليز.
وفى 16 أكتوبر 1951 بدأت أولى شرارة التمرد ضد وجود المستعمر بحرق النافى وهو مستودع تموين وأغذية بحرية للإنجليز كان مقره بميدان عرابى وسط مدينة الإسماعيلية، وتم إحراقه بعد مظاهرات من العمال والطلبة والقضاء عليه تماما، لترتفع قبضة الإنجليز على أبناء البلد وتزيد الخناق عليهم، فقرروا تنظيم جهودهم لمحاربة الإنجليز فكانت أحداث 25 يناير 1952، وبدأت المجزرة الوحشية الساعة السابعة صباحا، حيث انطلقت مدافع الميدان من عيار 25 رطلا ومدافع الدبابات (السنتوريون) الضخمة من عيار 100 ملليمتر تدك بقنابلها مبنى المحافظة وثكنة بلوكات النظام بلا شفقة أو رحمة، وبعد أن تقوضت الجدران وسالت الدماء أنهارا، أمر الجنرال إكسهام بوقف الضرب لمدة قصيرة لكى يعلن على رجال الشرطة المحاصرين فى الداخل إنذاره الأخير وهو التسليم والخروج رافعى الأيدى وبدون أسلحتهم، وإلا فإن قواته ستستأنف الضرب بأقصى شدة.
وتملكت الدهشة القائد البريطانى المتعجرف، حينما جاءه الرد من ضابط شاب صغير الرتبة لكنه متأجج الحماسة والوطنية، وهو النقيب مصطفى رفعت، فقد صرخ فى وجهه فى شجاعة وثبات: لن تتسلمونا إلا جثثا هامدة، واستأنف البريطانيون المذبحة الشائنة فانطلقت المدافع وزمجرت الدبابات وأخذت القنابل تنهمر على المبانى حتى حولتها إلى أنقاض، بينما تبعثرت فى أركانها الأشلاء وتخضبت أرضها بالدماء الطاهرة، وبرغم ذلك الجحيم ظل أبطال الشرطة صامدين فى مواقعهم يقاومون ببنادقهم العتيقة من طراز (لى إنفيلد) ضد أقوى المدافع وأحدث الأسلحة البريطانية حتى نفدت ذخيرتهم، وسقط منهم فى المعركة 56 شهيدا و80 جريحا، بينما سقط من الضباط البريطانيين 13 قتيلا و12 جريحا، وأسر البريطانيون من بقى منهم على قيد الحياة من الضباط والجنود وعلى رأسهم قائدهم اللواء أحمد رائف ولم يفرج عنهم إلا فى فبراير 1952.
ولم يستطع الجنرال إكسهام أن يخفى إعجابه بشجاعة المصريين، فقال للمقدم شريف العبد ضابط الاتصال: "لقد قاتل رجال الشرطة المصريون بشرف واستسلموا بشرف، ولذا فإن من واجبنا احترامهم جميعا ضباطا وجنودا"، وقام جنود فصيلة بريطانية بأمر من الجنرال إكسهام بأداء التحية العسكرية لطابور رجال الشرطة المصريين عند خروجهم من دار المحافظة ومرورهم أمامهم تكريما لهم وتقديرا لشجاعتهم وحتى تظل بطولات الشهداء من رجال الشرطة المصرية فى معركتهم ضد الاحتلال الإنجليزى ماثلة فى الأذهان ليحفظها ويتغنى بها الكبار والشباب وتعيها ذاكرة الطفل المصرى وتحتفى بها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة