سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 23 يناير 1911.. الحكم بسجن محمد فريد ستة أشهر لكتابته مقدمة «ديوان وطنيتى» تأليف على الغاياتى

الخميس، 23 يناير 2020 10:00 ص
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 23 يناير 1911.. الحكم بسجن محمد فريد ستة أشهر لكتابته مقدمة «ديوان وطنيتى» تأليف على الغاياتى محمد فريد
سعيد الشحات

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سافر محمد فريد، رئيس الحزب الوطنى إلى أوربا، يوم 5 مايو 1910، وفى يوم  14 أغسطس من نفس العام، ووفقا لعبدالرحمن الرافعى فى كتابه «محمد فريد رمز الإخلاص والتضحية»، كتبت له ابنته الكبرى «فريدة»خطابا، قالت فيه: «ولنفرض أنهم يحكمون عليك بمثل ماحكموا على عبد العزيز جاويش، فذلك أشرف من أن يقال بأنكم هربتم، وما تحملتم الهوان فى سبيل وطنكم، أتوسل إليكم باسم الوطنية والحرية التى تضحون بكل عزيز فى سبيل نصرتها أن تعودوا، وتتحملوا آلام السجن».
دار خطاب الابنة حول قضية «ديوان وطنيتى» للشيخ على الغاياتى الذى صدر فى يوليو 1910، وحوكم «الغاياتى»، ومحمد فريد والشيخ عبد العزيز جاويش، لأنهما كتبا مقدمتين للديوان، وحسب فتحى رضوان فى الجزء الأول من كتابه «عصر ورجال»: «ديوان وطنيتى لم يكن مجرد ديوان شعر بل كان وثيقة من وثائق الحركة الوطنية، فقد ضمنه ناظمه قصائد قالها فى المناسبات السياسية الكبرى التى وقعت والحزب الوطنى فى أوجه، وتأييد المصريين له فى أعلى مراتبه، وكان الديوان بهذا وحده خليقا أن يثير من الاهتمام الشىء الكثير، ولكن محمد فريد رئيس الحزب الوطنى كتب له مقدمة، كما قدم له الشيخ عبد العزيز جاويش فزادت قيمته السياسية، ثم رأت النيابة العامة أن فى المقدمتين تحسينا لما فى الديوان من الشعر، وأن فى شعر الديوان تحسينا لجرائم يعاقب عليها القانون، فقدمت مؤلف الديوان، وكاتبى المقدمتين إلى المحاكمة».
وفقا للرافعى، قال فريد فى مقدمته: «كان من نتيجة استبداد حكومة الفرد، سواء فى الغرب أو فى الشرق، إماتة الشعر الحماسى، وحمل الشعراء بالعطايا والمنح على وضع قصائد المدح البارد، والإطراء الفارغ للملوك والأمراء والوزراء، وابتعادهم عن كل ما يربى النفوس، ويغرس فيها حب الحرية والاستقلال، كما كان من نتائج هذا الاستبداد خلو خطب المساجد من كل فائدة تعود على المستمع، حتى أصبحت كلها تدور حول موضوع التزهيد فى الدنيا، والحض على الكسل، وانتظار الرزق بلا سعى ولا عمل، وتنبهت لذلك الأمم المغلوبة على أمرها فجعلت من أول مبادئها وضع القصائد الوطنية، والأناشيد الحماسية باللغة الفصحى للطبقة المتعلمة، وباللغة العامية لطبقات الزراع والصناع وسواهم من العمال غير المتعلمين، فكان ذلك من أكبر العوامل على بث روح الوطنية بين جميع الطبقات، ويسرنى أن هذه النهضة المباركة سرت فى بلادنا، فترك أغلب الشعراء نظم قصائد المديح للأمراء، والحكام وصرفوا همهم، واستعملوا مواهبهم وضع الأشعار الوطنية، وإرسالها فى وصف الشؤون السياسية التى تشغل الرأى العام، وقد لاحت «وطنيتى» فى طليعة هذه النهضة الميمونة الرشيدة.. ومما يزيد سرورى، أن شعراء الأرياف، وضعوا عدة أناشيد وأغان فى مسألة دنشواى وما نشأ عنها، وفى المرحوم مصطفى كامل باشا ومجهوداته الوطنية، وفى موضوع قناة السويس، ورفض الجمعة العمومية لمشروعها، وأخذوا ينشدونها فى سمرهم وأفراحهم على آلاتهم الموسيقية البسيطة».
بعد أن صدر الديوان، وحسب الرافعى: «انتهزت الوزارة الفرصة، وأوعزت إلى النيابة بإقامة الدعوى العمومية على المؤلف، وفريد وجاويش».. يذكر فتحى رضوان: «لم يكن الغاياتى حسن الظن بالقضاء المصرى فى تلك الحقبة، فسلطة الاحتلال البريطانى كانت هى صاحبة الكلمة فى مصر، فقرر أن يهاجر وسافر إلى تركيا يوم 5 يوليو 1910،وسافر محمد فريد يوم 5 مايو 1910 إلى أوربا للدعوة إلى استقلال مصر، وبدأت محكمة الجنايات فى نظر القضية، وقضت بسجن الغاياتى سنة غيابيا، وعبدالعزيز جاويش بالحبس ثلاثة أشهر».. يذكر الرافعى: «كان الحكم على الشيخ جاويش نذيرا بالمصير الذى ينتظر الزعيم «فريد» بعد عودته، ولعل الحكومة كانت تقصد تهديده بهذا المصير فلا يعود من أوروبا، وتلقى من كبرى كريماته خطابا ترغب إليه فى الحضور».
عاد «فريد» فى ديسمبر 1910، واستجوبته النيابة العامة يوم 4 يناير 1911، ويذكر الرافعى، أن محكمة جنايات مصر نظرت القضية يوم 23 يناير عام 1911، برئاسة المستر «دلبروجلى»، وعضوية أحمد ذوالفقار بك، وأمين بك على، وجلس على كرسى النيابة محمد توفيق نسيم بك، وحضر محمد فريد غير مصطحب معه محامين.
سأله رئيس الجلسة عن التهمة الموجهة إليه، فأجاب: «فى الوقت المنسوب إلى فيه تقريظ الكتاب كنت غائبا عن مصر، لأنه ظهر فى آخر يونيو، وأنا سافرت إلى أوربا 5 مايو، أما المقالة فكتبتها قبل صدور الكتاب، ولا علم لى بالمسائل التى فيه، لأن كثيرا منها حدث ونظم شعره فى غيابى، ولما كتبت المقالة كتبتها باعتقاد أنها مما لا يعاقب عليه القانون»، فقال رئيس الجلسة: «لا يمكن لواحد أن يكتب عما لا يعتقده، فكتابتك تدل على الاستحسان لما فى الكتاب»، فأجاب الزعيم: «أنا لم أحسن الكتاب، لأنى كتبت المقالة بدون أن أتعرض لما فى الكتاب، وهى مما يصح أن ينشر فى جريدة أو مجلة أو كتاب، وأنا قصدت بكتابتى الشعر من حيث هو».
انتهت المناقشة، وحسب الرافعى: «وقف نسيم بك، وترافع مرافعة استغرقت خمسا وثلاثين دقيقة، أسرف فيها فى الاتهام، وأظهر ما لا يليق من الشماتة بالرئيس، ثم خلت المحاكمة للمدوالة، وبعد بضع دقائق عادت وأصدرت حكمها بحبس الزعيم ستة أشهر مع النفاذ».






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة