مع أن النصيحة واجبة، إلا أن تكرار النصح، يدل على "جهل" أحد الطرفين، فكيف يفهم مثلا ثوار لبنان حاليا ما يذهبون إليه رغم كل ما حدث فى الدول العربية، وكأنهم يصنعون مسارا مختلفا، ولا يشاهدون أنفسهم على الشاشات وهم يشتبكون مع قوات الأمن، ولا يرون عبرة فيما حدث فى الدول العربية، وأقربهم إليهم سوريا، التى تم تفتيتها عن عمد منذ بدء ثورتها، بل أن التفتيت سوريا نفسها بدأ منذ انسحابها من لبنان، ورغم ذلك أيضا يذهب الثوار إلى أفكار " خيالية" عن مسارات يظنون أنهم يصنعونها، مما يدفعهم دفعا لفكرة " الانتحار القومى" التى تحدث عنها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى كثير من المناسبات، والانتحار القومى يمكن القول عليه مجازا، أنه المرحلة الأخيرة فى طريق الثورة المفتعلة، أو أنه المرحلة الأخيرة التى يستهدف فيها صانعى الثورة، هدم المجتمعات بأيدى أبناء الوطن، وهو مصطلح جديد على الأذن، لكنه معبرا للغاية، عن مفاهيم الفوضى " الثورية"، التى تبدأ بلا سبب، وتسير فى طريق دون هدف، وتصل لنتيجة غير متوقعة، وتلك النتيجة عادة ما تكون ضد فكرة الوطن والمؤسسات الوطنية.
وتطبيقا على ما سبق، وهو أكبر الأخطاء فى أجيالنا الحالية، الاعتقاد بأن تواريخ الدول العربية بدأ بما يعرف بثورات الربيع العربى، والذهاب إلى تأريخ الأوضاع وتقييم الأشخاص والمؤسسات، بقربها أو بعدها عن تلك التواريخ، رغم تأكيد الشواهد والقرائن بما حدث فيها من تدخل متعمد من أطراف وأجهزة دولية، يجب أن ينبههم لما يقولونه ويصدرونه للناس، ورغم كل ماحدث، فإنهم يصرون على الوقوف فقط عند لحظة تاريخية بعينها، وهو ما حدث فى الدول العربية بشكل عام، وفى مصر على وجه الخصوص، فالبعض يذهب إلى أن تاريخ مصر بدأ منذ 2011، وكأن ما قبل 2011 هو عالم آخر أو تاريخ دولة أخرى، ويتغافلون عن جهل وتعمد، أن حضارة تلك الدولة مر عليها آلاف السنوات، وعشرات الأحداث، التى تزيد عما حدث فى 2011 عشرات المرات، ويعتقد هؤلاء بسطحية شديدة_ أن مصر بأجيالها المتعاقبة لم تفعل ما فعلوه، وهم لا يدركون أن كل ما فعلوه قد مر على مصر، ومرت عليه مصر قبل ذلك كثيرا، فلذلك فمصر أبدا لم تولد فى 2011، وإن كان عام 2011 جزء من التاريخ، إلا أن التاريخ مفهومه أوسع وأشمل من 2011 وما حدث بعدها، فكيف يغفل قطاع كبير من الشباب أن تاريخ 25 يناير 1952 هو تاريخ مشرف لمصر وليست للداخلية وحدها، ففى ذلك الوقت استشهد 50 مصريا وهم يقامون الاحتلال الانجليزى، حتى أن الحاكم الإنجليزى وقتها أعطاهم التحية لما بذلوه رغم أنه قد سقط من جنوده 13 فردا، وفى تاريخ مصر مثل تلك اللحظة مئات الحوادث التاريخية والمشرفة، والتى يجب الانتباه إليها، بدلا من أن تمر السنوات علينا، فيبقى فى صناعة التاريخ الموازى فقط 25 يناير 2011 دون غيرها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة