عاد شبح أزمة النفايات بلبنان مجدداً إلى واجهة الأحداث، لكن هذه المرة من بوابة أوروبا، حيث سعى مجموعة من النواب في البرلمان الأوروبي لفتح تحقيق في مزاعم فساد تطال مشاريع للاتحاد في مجال إدارة النفايات في لبنان، قد تقود في حال التثبت منها إلى حجب مساعدات عنها.
ويسعى بعض أعضاء البرلمان الأوروبي لاسترداد أكثر من 38 مليون دولار خسرتها المفوضية الأوروبية في لبنان بسبب خطط وهمية لإدارة النفايات، إلى جانب محاكمة المسؤولين عن الفساد في هذا الملف، آملين من الحكومة اللبنانية المبادرة إلى التحقيق من جهتها وإعادة هذه الأموال كبادرة حسن نيّة!.
يقود النائب الفرنسي تييري مارياني مجموعة من النواب في البرلمان تخوض صراعاً للتحقيق حول اختلاس مساعدات الاتحاد الأوروبي، وهو ما قد يؤدي إلى حجب مساعدات بمئات ملايين الدولارات عن لبنان وعن النازحين السوريين، مع شكوك تحوم حول تورط وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي السابقة فيديريكا موجيريني"، وفق ما أوردت العربية.
وستشمل التحقيقات بعض اللاعبين الكبار في لبنان، مثل رئيسي الوزراء السابقين، نجيب ميقاتي وسعد الحريري. ويظهر اسم الحريري بقوة في التحقيقات لارتباطه برجل أعمال لبناني متهم بسرقة مبالغ ضخمة من برامج الاتحاد الأوروبي لإدارة النفايات، ولأنه كان وراء حيلة جديدة لسرقة المزيد من أموال المساعدات الدولية لإنشاء محرقة للنفايات بقيمة مليار دولار.
صحة المواطنين فى خطر
وكانت منظمة هيومن رايتس ووتش قد قالت إن البلديات اللبنانية تعرض صحة المواطنين للخطر بحرقها الأزبال في الهواء الطلق، على الرغم من تمرير قانون وطني لمعالجة النفايات الصلبة يمنع الحرق.
وأقر مجلس النواب اللبناني في سبتمبر 2018 القانون في أولى جلساته بعد عقود على سوء معالجة النفايات الصلبة.
وأعطى القانون وزارة البيئة دور المراقب والمشرف وفوضها تطوير استراتيجية وطنية لمعالجة النفايات خلال الأشهر الستة القادمة.
فإن بلديات لبنان ما زالت تحرق النفايات في الهواء الطلق رغم قانون يمنع ذلك، ما يهدد صحة السكان. على الشرطة والنيابة العامة البيئية تطبيق القانون ومعاقبة المخالفين.
وأشارت المنظمة إلى أن "البلديات تخالف القانون الذي يحظر طمر النفايات وحرقها ويغرم الانتهاكات".
وقالت لما فقيه نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "بعد أن أقر مجلس النواب هذا القانون الذي طال انتظاره، على الحكومة اللبنانية تطبيقه، وما لم يحاسب المخالفون، سيظل اللبنانيون يعانون من آثار مدمرة على صحتهم وبيئتهم".
ونقلت المنظمة شهادات مواطنين تحدثوا عن معاناتهم الصحية جراء حرق النفايات تشمل صعوبة في التنفس وضغطا على الصدر وغيرها.
التحرك الأوربى
هذا التحرّك الأوروبي للكشف عن مصير الأموال التي أودعها الاوروبيون في لبنان لمعالجة أزمة النفايات يقف خلفه عازف البيانو ورجل الأعمال اللبناني عمر حرفوش، الذي طرح قبل بضعة أسابيع في بروكسل خلال مؤتمر شارك فيه نواب من البرلمانات الوطنية الأوروبية وجوب الاتّجاه نحو تجميد أموال المسؤولين اللبنانيين وعائلاتهم خارج لبنان كبداية للحل ونقطة الانطلاق نحو استعادة الأموال المنهوبة.
أوضح حرفوش "أن هناك امتعاضاً أوروبياً من هذا الموضوع، لأن الاتحاد موّل مشروعاً بملايين اليورو لإنشاء معمل فرز للنفايات يُعالج أزمة القمامة في مناطق شمال لبنان كافة قبل أن يكتشف أن دفتر الشروط لم يُحترم".
ولفت إلى "أن تمويل هذا المشروع غير مُرتبط بمساعدات مؤتمر "سيدر" للمانحين".
كما أشار إلى "أن وفوداً عدة من النواب الأوروبيين والفرنسيين ومسؤولين في الأمم المتحدة زاوا لبنان في وقت سابق من أجل متابعة تنفيذ مشروع فرنسي مُقترح بدعم من الأمم متحدة، وعقدوا سلسلة لقاءات مع رئيس الحكومة سعد الحريري والمجلس البلدي لمدينة طرابلس وسمعوا كلاماً ايجابياً من الرئيس الحريري بضرورة الاسراع في بتّ المشروع نظراً لأهميته الحيوية، إلا أنهم تفاجأوا بأن مجلس الوزراء في ذاك الوقت قرر انشاء ثلاث محارق للنفايات في مدينة بيروت، الشمال والجنوب سيتم تمويلها من ضمن مشاريع "سيدر" بكلفة مئات ملايين الدولارات وعلى ما يبدو هناك فرق كبير بين السعر الحقيقي للمعمل والسعر المقترح في "سيدر".
ويأتي الإجراء الأوروبي استكمالاً لجلسة عقدها البرلمان في 14 نوفمبر/ الماضي في بروكسيل عن لبنان والفساد تحدث فيها نحو 20 نائباً أوروبياً عن الأوضاع في لبنان، من بينهم تييري مارياني، الوزير السابق في حكومة الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي الذي قال في مداخلته "اننا كمنتخبين في البرلمان الأوروبي يتوجب علينا ان نتساءل أين تذهب الأموال التي نحوّلها إلى لبنان لمساعدته"؟ وأبرز رسالة من عضو المجلس البلدي في طرابلس نور الأيوبي ، يذكر فيها أن الاتحاد الأوروبي أعطى هبة لبناء معمل لفرز النفايات في عاصمة الشمال، لم ينفذ وفق دفتر الشروط.
وأوضح حرفوش "أن الأوروبيين بدأوا بإجراء تحقيقات حول مصير الأموال التي دُفعت لإنشاء معامل لمعالجة أزمة النفايات في لبنان، وعضو مجلس الشيوخ الفرنسي ناتالي غوليه زارت مدينة طرابلس شمال لبنان منذ مدة وأعدت تقريراً حول ضرورة انقاذها من جبال النفايات، وستستكمل تقريرها بزيارة أخرى تبدأها السبت إلى بيروت الى جانب القاضي شارل براتس وهو من أكبر القضاة الفرنسيين المتخصصين في مجال مكافحة الفساد وتحويل الاموال واسترداد الاموال المنهوبة".
وسيكون للوفد الفرنسي لقاءات مع المدّعي العام المالي القاضي علي ابراهيم ونقيب المحامين ملحم خلف اضافةً الى متخصيين بالشأن العام من اجل اطلاعهم على آلية استرجاع الاموال المنهوبة.
كما أكد "انه سيسعى من أجل الا تحوّل هذه الاموال الاوروبية لجهة أخرى بل ان يُعاد تخصيصها للبنان مجدداً"، لافتاً الى "أهيمة رفع درجة الوعي عند اللبنانيين تجاه ملف النفايات وقطع الطريق على كل من يريد تحقيق مصالحه الشخصية في هذا الملف الحيوي الذي يطال الجميع".
وأعلن "أن الاتحاد الاوروبي لن يترك لبنان وحيداً في معالجة أزمة النفايات، والتحرّكات التي نقوم بها "غيّرت" من انطباعهم في التعاطي مجدداً مع لبنان".
الحريري يوضح
في المقابل، أوضح المكتب الإعلامي للرئيس سعد الحريري في بيان، "أن المقال الذي نشر على أحد الموقع الركية الرسمية في هذا الشأن خلط بين برامج الاتحاد الأوروبي عبر وزارة الدولة لشؤون التنمية الإدارية لمشاريع معالجة النفايات الصلبة من جهة، وبين عرض تنفيذ مشروع خاص للسيد عمر حرفوش يتعلق بمعالجة النفايات في مدينة طرابلس".
كذلك، نفى المكتب الاعلامي للرئيس نجيب ميقاتي ما ورد في المقال، مؤكداً ان لا علاقة للرئيس ميقاتي بموضوع معالجة النفايات الذي تتولاه السلطة التنفيذية، وفق دراسة أعدها الاتحاد الاوروبي"، معتبراً أن الكلام المنسوب للرئيس ميقاتي عار من الصحة وهو من باب الابتزاز السياسي والمالي".
آلية أوروبية لمحاسبة المتورطين
أما عن الاجراءات التي يُمكن للبرلمان الأوروبي أن يتّخذها ضدّ لبنانيين في حال ثبت تورّطهم في هدر الأموال التي خصصها لتمويل مشاريع إنمائية منها معالجة أزمة النفايات، أوضح حرفوش "أنه إذا أبلغت الحكومة اللبنانية الاتحاد الأوروبي بأن لديها شكوكاً حول أشخاص محددين مرتبطين بملفات فساد، يُمكن عندها للبرلمان الأوروبي إصدار قرار بحجز أموالهم ومصادرة ممتلكاتهم التابعة لهم ولعائلاتهم لمدة ستة أشهر إلى حين انتهاء التحقيقات، فإذا ثبُت أنهم بريئين يستعيدون أموالهم وممتلكاتهم أما إذا تبيّن أنهم متورّطون فتُصادر وتتم ملاحقتهم".
إلا أن رجل الأعمال اللبناني رفض إعطاء اسم الأشخاص والشركات المتورّطة، لأن المتّهم بريء حتى تثبت إدانته، على الرغم من أن التقرير الأجنبي سمّى الرئيسين الحريري وميقاتي، يجب انتظار نتائج التحقيقات".
وشهد لبنان الذي يعيش منذ العام 2015 إضافة للأزمات السياسية والأمنية، أزمة نفايات تراكمت خلالها القمامة في شوارع بيروت وفاحت رائحتها، تظاهرات ضخمة احتجاجاً على أزمة تكدس النفايات.
كما يشهد منذ ثلاثة أشهر حراكاً شعبياً يعمّ المناطق اللبنانية كافة للمطالبة بتشكيل حكومة مستقلّة عن الطبقة السياسية الحاكمة منذ عقود ومحاربة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة