وتوالت الحضارات والثقافات.. وظهر فى كل فترة منها علامات مهمة من شأنها أن أضافت أو أخذت من فكرة النقد الفنى بصبغة دنيوية فكرية كانت أو .. فلسفية.. أو دينية.
وتصارعت تلك الاتجاهات وبشدة.. عبر تلك العصور وما شابها من حروب وثورات، بل ونهضات فنية وثقافية.. ومن الملاحظ خلالها.. ارتباط النقد الفنى عبر كل العصور بفلسفة الفن وعلم الجمال.. وبشكل وثيق.. وارتباط الحركات النقدية أيضا.. بحركات نهضة الفنون والثقافة.
ويجمع الكتاب والمؤرخون على أن أبرز من اهتموا بالحكم الجمالى وكانوا أول من كتب فى فلسفة فن الجمال أفلاطون وأرسطو وسقراط، حيث أصبح الحكم الجمالى والنظرة إلى الفن والفنانين بمثابة مفهوم متفرد لرؤية نقدية تعبر عن الذوق العام فى ذلك العصر.
وبظهور الدين المسيحى.. ظهرت الفنون المسيحية.. والتى كان أساسها تقديم أشكال تتناسب مع القداسة الدينية.. وأضفى النقد الفنى بشكل واضح.. القدسية على رسم الشخصيات لجذب أنظار المتعبدين والتأمل فيها.
ومع انهيار الحضارة الرومانية، أكنت الكنيسة البيزنطية العداء للوثنية.. ودعت إلى حياة الزهد والتقشف والعبادة.. فظهرت حركة تحطيم الصور وطمسها من بعض الكنائس!
وقد كان لذلك أثره على تراجع الفن بشدة مما كان له أثره الواضح على النقد الفنى الذى أصبح خاضعا للكنيسة طوال عصور الظلام الأوروبية.!
ويعلمنا التاريخ.. أن علاقة الفن ومن نطلق عليهم «المتشددين الدينيين» هى علاقة.. مضطربة.. غير متوفر لها التوافق والانسجام.. وليس فقط فى الماضى.. وإنما حتى يومنا هذا!
ويحضرنى هنا كلمات الأديب عباس محمود العقاد (1950) الذى كان هدفه إعلاء قيمة النشاط الفنى، وأن يرفعه إلى مستوى الإنشاء والخلق، حيث إنه يمثل قيمة الوجدان الإنسانى.
وقد دافع العقاد عن دور الفن فى المجتمع، ودعا إلى توثيق الصلة بينهما،
كما دعا إلى حرية الفنان وحرية الفنون الجميلة.
ويرى العقاد أن معيار الجمال فى الحياة يتحقق فى «تلاؤم العضو مع وظيفته»، فهو يقول: «إنه كلما كانت وظائف الحياة ظاهرة غير معاقة فى حركتها، كانت الأعضاء صحيحة حسنة الأداء، وكان عمل الحياة بها سهلاً، وحريتها فيها أكمل، وكلما كان العضو مسهلا لعمل الحياة، كان مؤديا لغرضه وموضوعا فى موضعه... وهو العضو الجميل».
ويعود الكتاب والمؤرخون ليؤكدوا ولنكتشف معهم من جديد الوجود العربى وبوضوح وتأثيراته على العالم الغربى.. حيث «أثرت الثقافة العربية
فى المجتمع الأندلسى بشكل واضح وملموس».
وقد أدى تطور العلوم فى أوروبا والاهتمام بالترجمات العربية للفكر اليونانى والازدهار الاقتصادى فى إيطاليا، وتزعمت الحركة الفنية ومبادئ النقد الكلاسيكى الجديدة.. سبب انشغال فرنسا وبريطانيا فى الحرب.
زمن التغييرات والمتطلبات المجتمعية
بدأ النقد الفنى يخرج من دائرة تحكم الأمراء والكهنة ليصل إلى مستوى الطبقة البرجوازية فى المجتمع الأوروبى، وكانت للفن فى عصر النهضة رؤى جديدة غيرت وطورت من كل العصور التى تلته حتى جاء القرن السابع عشر.. ونشأ علم الجمال فحدثت النقلة الجديدة، حيث استقلت الفنون الجميلة «Fine Arts»(التصوير والنحت والشعر...إلخ) عن الفنون التطبيقية «Applied Arts» النجارة والحدادة.. إلخ، مما جعل الفنون التطبيقية ترتبط بجانب النفعية الصناعية فى حين ارتبطت الفنون الجميلة بجانب البهجة والاستمتاع الجمالى بالفنون.
وليتطور مفهوم النقد الفنى بعد ذلك، وأصبح له أهمية كأداة مساعدة للفنانين والمتكلمين والجماليين والمتلقين، خصوصًا مع تكوين أكاديمية الفنون بفرنسا فى القرن الثامن عشر، وتسارعت الأمور.. وجاء عظماء آخرون غيروا الكثير «جورج هيجل» و«وليم هوجارت» و«إيمانويل كانت»، ممن كان له أثرهم الواضح عن فكرة ومنظور النقد فى حد ذاته وطريقة تناوله للحياة وفنونها، فجاء بعدهم أيضا الكثيرون من أبرزهم «رينيه ديكارت» و«جوتفريد ليبنتز».
بعد الثورتين الفرنسية والأمريكية حاول الفنانون والنقاد والمفكرون البحث عن قيم جديدة تلائم واقع العصر الجديد».
ويضيف الكتاب والمؤرخون أولى أهم بوادر نقاط التحول الجديدة.. ومع تحول المجتمع إلى مجتمع صناعى غيرت المخترعات نمط الحياة.
فغيرت من مفهوم الفن من خلال محاولات الفنانين للتجديد والإبداع، وهذا التجديد أدى إلى تطور مفهوم الفن، وتعدد المدارس الفنية حتى بات من الصعب وضع تعريف محدد له.
وحدثت نقطة التحول الكبرى!
حيث قام النقاد بدور الوسطاء بين الفنان وهذا الجمهور الجديد، محاولة منهم لسد الفجوة بين الفن القديم والفن الحديث.. خاصة بظهور ما عرف «بالنظرية الشكلية» فى النقد الفنى، التى كانت سببا فى فتح الطريق لتقبل «الفن الحديث» وصعوبه استيعابه للعامة!
وأختتم هنا بقول للمفكر إبراهيم عبدالقادر المازنى (1948) الذى كتب عن قضايا تتعلق بالتصوير والنحت، محاولاً وضع أسسٍ لتقييمه من خلال فلسفة الجمال، فقدم فى كتابه حصاد الهشيم [1969] رؤية خاصة حول «مفهومه عن الدور الحقيقى للفن»، فهو فى رأيه يتعدى حدود التسجيل، بغية تحقيق الأغراض الجمالية.
وكان أسلوب المازنى فى النقد يتسم بالسهولة والوضوح فى التعبير. ويطلب من الفنان «أن لا يجعل القواعد تتعدى وظيفتها فى الأداء، ففى رأيه أن القواعد فى الفن لا تجعل من المرء مصوراً أو مثالاً.. وإنما على الفنان أن يبرز صفـة الشىء ومميزاته، بل وينفذ إلى روحه فيظهر فيه عناصر الجمال والتأليف».
و..
للحديث.. بقية
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة