قدم المفكر السورى فراس السواح عددا كبيرا من الكتب المهمة التى تبحث فى أفكار وعقائد الإنسان تطورها، وناقش الحضارات خاصة الشرقية ودرس اختلافاتها واتفاقاتها، ومن ذلك كتابه عن " كنوز الأعماق - جلجامش".
يعد الكتاب المرجع الرئيسى فى اللغة العربية للمهتمين بملحمة جلجامش ولجمهرة القراء عموماً، فإضافة إلى المجهود العلمى الذى بذله المؤلف فى تحقيق وترجمة نص الملحمة البابلية، فقد قدم لنا فى البداية مدخلاً واسعاً لفهم خلفيات الملحمة الأدبية والأسطورية والتاريخية، ثم أتبع النص بدراسة تحليلية ألقت أضواء على المعانى الخفية للملحمة ومقاصدها، وانتهى بملحق درس فيه آثار الملحمة فى ثقافات العالم القديم.
تتميز دراسة الدكتور فراس السواح بأنها أكثر من مجر ترجمة مباشرة للنص السومرى وأنها دراسة للملحمة ليس عبر نص واحد وإنما عدة نصوص من عصور مختلفة، بترجمات مختلفة، التى أعتقد أنه لم يكن من الممكن الخوض فيها دون فهم عميق لثقافة بلاد الرافدين، على الجانب الآخر فإن ترجمة متأنية للنص مثل ترجمة الدكتور طه باقر قد تبدو فقيرة فى تفاصيلها إذا ما قورنت بتلك الدراسة هنا، فالنص يفقد الإيقاع الشعرى تماماً، خاصة بعد تطوع الدكتور باقر بحذف الأبيات المتكررة مما أفقد النص موسيقاه التى باتت واضحة فى ترجمة الدكتور فراس، أضف إلى ذلك البنية الأصلية للنص التى اختصرها الدكتور باقر فى أربعة فصول قصيرة بينما يقدمها الدكتور فراس فى شكلها الأصلى.
لدينا فى النص البابلى ستة نصوص أدبية:
1 -جلجامش وأجا : حيث يتم الصراع بين آجا حاكم كيش وجلجامش حاكم أورواى ( ويظهر هنا آنكيو فى الملحمة البابلية كخادم لجاجامش) ..
2- جلجامش وأرض الأحياء : هنا يبحث آنكيدو عن الخلود وهنا يعطيه الآله اوتو خمسين متطوعاً للهجوم على غابة الأرز مسكن الوحش (حواوا).
3- جلجامش وثور السماء :
4- جلجامش وشجرة الحلبو
5- جلجامش وأنكيدو واعالم السفلي
6- موت جلجامش
وكتبت "سماح عادل" موضوعا بعنوان " ملحمة جلجامش .. ما بين البحث عن الخلود وهزيمة الإلهة الأنثى
فسر الباحث "فراس السواح" معنى متميز يخالف ذلك التفسير الذى ساد زمناً طويلاً لملحمة "جلجامش"، والذى ارتكز بشكل أساسى على أنها ملحمة بحث الإنسان عن الخلود، فقد رأى أنه إذا كان النتاج الأدبى مرآة للمجتمع فإن ملحمة "جلجامش" تصور بطولة الفرد، "جلجامش" أول شخصية "تصلنا من التاريخ القديم مدونة" تعلن حضورها فى استقلال عن الجماعة، وعن آلهتها، معلناً ابتداء عصر الإنسان الذى يرث الأرض ويشق الزمن الآتى كابن بار للإله، يطمح للجلوس عن يمينه لا كعبد مسلوب، واقع فى دائرة الميلاد والموت المفرغة، و"جلجامش" الفرد لم يؤسس لفردية فوضوية خارجة عن الكل ساعية وراء أهدافها وغايتها المستقلة والمتضاربة مع غايات الجماعة والبحث الإنسانى المشترك، بل لقد جعل من نفسه النموذج الفرد الذى يمكن لأية شخصية فى الجماعة أن تتشكل وفقه وتنسج على منواله، ليغدو المجتمع فريقاً من الأحرار، وهو بتطوره الشخصى من الفردية الفوضوية إلى الفردية الجماعية المنظمة إنما يحدد المسار الذى يحرر الأفراد ويربطهم فى آن معاً فى مسيرة الإنسانية الكبرى، نحو معرفة الذات ومعرفة الكون وخلافة الإله.
وكتب خالد الجلى عن الكتاب تحت عنوان "فراس السواح وملحمة جلجامش" جاء هذا الكتاب تطويراً لمؤلفه "كنوز الأعماق-قراءة فى ملحمة جلجامش"، و عمل فيه على إغناء المقدمة التاريخية التى تضع النص فى إطاره الزمنى والثقافي، وتوَسَع فى الدراسة الفنية والجمالية، وفى مسائل النقد النصى التى تلقى ضوءاً على تطور النص والتغيرات التى طرأت عليه عبر حياته الطويلة. كما زود هذا الكتاب بملحق يحتوى على إعداد درامى للملحمة، وضعه تحت تصرف المسرحيين العرب وقدمه لجمهور القراء، كى يستمتعوا بقراءة حرة للنص تعفيهم من القفز فوق الفراغات والتشوهات الموجودة فى الألواح الفخارية الأصلية، والتى تنعكس فى أية ترجمة أمينة للملحمة.
لقد أطل علينا هذا الكتاب متضمناً بالإضافة إلى الإعداد الدرامى للملحمة ثمانية فصول تضمن اثنان منها الملحمة الأكدية، والنص البابلى القديم، والنص البابلى الوسيط، والنص المتأخر/الأساسى، والنص الكامل للملحمة البابلية.
إن ملحمة "جلجامش" نص شعرى طويل مكتوب بالأكدية البابلية، وموزع على اثنى عشر لوحاً فخاريا. وقد وُجدت الألواح فى مكتبة آشور بانيبال تحت أنقاض القصر الملكى بالعاصمة نينوى. ويذكر المؤلف أن نص نينوى هذا يدعى بالنص الأساسى أو المعياري، لأنه "الشكل الأدبى الأخير الذى اتخذته الملحمة بعد فترة طويلة من التطور والتغير دامت قرابة ألف عام. ويتميز هذا النص الأساسى عن بقية النصوص السابقة عليه، بأن ألواحه الفخارية خرجت سليمة نسبياً، وفى حالة تسمح بقراءة متسلسلة رغم الكسور الحاصلة فى بعضها والتشوهات التى اعتورت الكثير من سطورها. ونص نينوى هو سليل نص أقدم منه بكثير دوّن خلال العصر البابلى القديم، واستلهم كاتبه عدداً من النصوص الأدبية والأسطورية السومرية التى تدور حول ملحمة جلجامش، وبعض الأخبار المتفرقة المتداولة عنه، وحاك من ذلك كله، وبطريقة مبدعة خلاقة، نصه الذى ندعوه اليوم بالنص البابلى القديم".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة