لن تعرف أو تقدر أهمية الماء إلا إذا استيقظت فى أحد الصباحات الشتوية الباردة، وقد تأخرت عن العمل لأكثر من نصف ساعة، وتخطط فى القفز من سريرك الدافئ مسرعا إلى "بيت الراحة"، لتجد المفاجأة التى لم تكن تخطط لها.. فقد انقطع الماء و"الحنفية" فارغة إلا من الهواء، حينها ستقدر وتعرف معنى قطرة الماء وتتأكد أنها تساوى الحياة، فبدونها لن تتمكن من ممارسة نشاطك اليومى المعهود، ولن تتمكن من الذهاب إلى العمل، وستحرم من الشاور الدافئ، الذى يمحنك الهدوء والراحة، بل ستشعر كم هو عبء ثقيل أن تدخل الحمام بدون ماء.
انقطاعات المياه خلال الأيام الماضية أمر يتكرر فى الأحياء الراقية والشعبية، والسبب دائما كسر المواسير المفاجئ والأعطال غير المتوقعة، الأمر الذى يقود إلى كم هائل من الشكاوى اليومية، خاصة أن إصلاح الأعطال يستغرق من 6 إلى 8 ساعات تقريبا على أقل تقدير، وهو أمر بالتأكيد خارج عن إرادة شركة المياه، التى لا ترغب بأى حال أن تغضب عملائها أو تتسبب فى مشكلات أو تدمر البنية التحتية التى تتولى مسئوليتها.
هذه السطور أسردها ليس لإلقاء اللوم على أحد أو استبيان أسباب انقطاعات المياه فى القاهرة والمحافظات، ولكن لندرك جميعا أهمية قطرة الماء، ونحافظ عليها باعتبارها تساوى الحياة، فهذا الشعور لا نعرفه إلا مع كل انقطاع، ولك أن تتخيل حياتك بدون ماء لمدة يومين أو ثلاثة، ستترقب كل صوت مختلف فى " المواسير" من حولك، سترصد أى انطلاقه للموتور الخاص بشقتك، ستسأل الجيران والأصدقاء وأهالى المنطقة عن أى جديد، ستتابع المواقع الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعى، لتبحث عن أى جديد فى مشكلتك التى قطعا كبيرة ومؤرقة، ستسارع إلى الاتصال بالخط الساخن لشركة المياه لتتقصى عن موعد عودة المياه، فكل ما تخطط له سيفسد إذا استيقظت على صنبور فارغ.
نحن نحتاج إلى ثقافة حقيقية فى استخدام وترشيد المياه، حتى ننظر إلى الماء بأنه نعمة ربانية وثروة قومية، لا يمكن استبدالها أو الاستغناء عنها، وضرورة من ضرورات البقاء والحياة، لذلك وجب علينا اتباع ثقافة الترشيد، والتعامل مع الماء بصورة تحقق بقاء هذه الثروة للأجيال المقبلة، خاصة فى ظل الظروف والتحديات التى تشهدها المنطقة، ونقص الموارد والإمكانيات، والانفجار السكانى الضخم، الذى يحتاج إلى موارد إضافية وأساليب جديدة فى التعامل مع كل قطرة ماء نظيفة، حتى نضمن للأجيال القادمة حياة أفضل.