هناك فرق كبير بين الخطاب العلنى والسلوك الفعلى، خاصة فى السياسة والصراع الدائر فى الشرق الأوسط، هناك خطابات مزدوجة ومواقف سرية تختلف عما هو معلن، وأى متابع للصراعات والأحداث الدائرة فى المنطقة يكتشف أن الحروب بالوكالة هى الأكثر شيوعا، ومنذ الغزو الأمريكى للعراق، لم تقم حرب مباشرة جيش لجيش وبقيت التنظيمات المسلحة تلعب دورها فى خدمة الحرب بالوكالة، وهو ما يفسر استمرار تنظيمات مثل داعش واستمرارها وحصولها على الدعم والتمويل، فهى تقوم بدور فى الصراع، وتنفذ أهداف الممولين. ولا يمكن استبعاد التنسيق فى المواقف بين التنظيمات الإرهابية وبين دول يفترض أنها متعارضة ومتخاصمة.
الجيش التركى لم يخض حربا مباشرة، وبالرغم من وجود قوات تركية على الحدود مع سوريا طوال فترة الصراع فقد كانت الغلبة لداعش والقاعدة وباقى الفصائل التى حملت أسماء مختلفة وهذه التنظيمات التى تحمل اتجاهات متطرفة وطائفية قامت بالدور المطلوب منها. اختفى ما سمى الجيش السورى الحر، وتوجهت التمويلات والأسلحة إلى داعش وإخوته من التنظيمات. ونفس الأمر فى ليبيا، لأن من صالح أردوغان أن يجد ملاذات للدواعش، فى ليبيا وغرب أفريقيا، وحتى إعلان إرسال قوات تركية هو من قبيل التغطية على خوض حروب بالوكالة، ومن هنا يمكن تفسير احتضان أردوغان لممثلى التنظيمات الإرهابية، فضلا عن تنظيم الإخوان، وفتح الباب لقنوات تخوض حربا دعائية وتضليلية لصالح سياسات أردوغان، لدرجة أنهم ساندوا الغزو التركى لسوريا، ثم ليبيا، مقابل إقامتهم فى تركيا، مع تنفيذ تعليمات الأجهزة التركية، وهو ما يفسر كون تأييد الإخوان لأردوغان أكبر من تأييد الأتراك أنفسهم.
تركيا تواجدت فى سوريا والعراق من خلال داعش والقاعدة، وظلت القوات التركية مجرد صورة، ولم يتعد الأمر قوات رمزية من دون تحريك واسع، وظهرت صور وفيديوهات للجيش التركى بجوار ميليشيات داعش على حدود سوريا والعراق، من دون أى صدام، بل ربما كان هناك تنسيق واضح، وظلت الأراضى التركية هى ممر دخول وخروج مقاتلين إلى داعش والقاعدة طوال سنوات، وفتحت تركيا مستشفياتها لعلاج جرحى التنظيمات.
نفس الأمر ينطبق على إيران، التى تخوض حروبها عن طريق حزب الله فى لبنان والعراق مع الحشد الشعبى وفى اليمن الحوثيين وتسعى لبناء ميليشيات تخوض حروب طهران بالوكالة، ومن اللافت للنظر أن تركيا وإيران تقفان فى سوريا على طرفى نقيض، إيران تساند دمشق، وتركيا ضد النظام ومع داعش والنصرة والجيش الحر المزعوم، وبالرغم من هذا لم تقع أى مصادمات بين تركيا وإيران، ولم تتأثر العلاقات السياسية والاقتصادية بين طهران وأنقرة.
نفس الأمر ينطبق على قطر وإيران، حليفتان فى الواقع، بالرغم من أن قطر كانت تمول داعش والنصرة فى سوريا، بينما إيران تقف فى المعسكر الآخر، وفى عملية اغتيال أمريكا لقاسم سليمانى، انطلقت الطائرة المسيرة التى نفذت العملية من قاعدة العديد بقطر، وقد تبدو مفارقة عدم تصادم تركيا وإيران طوال 8 سنوات فى سوريا، بالرغم من أن كل منهما على نقيض الآخر، وهو ما يشير إلى تنسيق ما بين أمراء الحرب بالوكالة فى تركيا وإيران.
نشأة تنظيم داعش نفسه تمت بتنسيق من دول التحالف وبمعرفة الإدارة والأجهزة الأمريكية والأوروبية التى كانت تساند ما سمى الجيش السورى الحر، لكن الدور الفاعل كان لتركيا مع التمويل القطرى، وبالتالى لم ينشأ داعش فجأة، خاصة أن التنظيم كان يستقبل مقاتلين من دول أوروبا، تحت سمع وبصر الأجهزة الأمنية الأوربية، قبل أن يتحولوا إلى أزمة أمنية وتمثل عودتهم أزمة لبلادهم، مما يجعل هناك فرصة لأردوغان لنقلهم إلى ليبيا وأفريقيا للعب دور فى حروبه بالوكالة.