هناك شبه اتفاق على أن فيروس كورونا أحدث تغييرات فى العالم بشكل كبير، فيما يتعلق بالحركة والإغلاق والاقتصاد والطب والسياسة. وبعد كل هذه الشهور من المواجهة ما يزال كوفيد19 يحمل بين طياته الكثير من الغموض والأسئلة والتى تتعلق بطبيعة الفيروس وتأثيراته وانتقاله ومواجهته بالعلاج أو الوقاية. بل إن هناك جدلا يتصاعد حول ما يسمى «مناعة القطيع»، ومدى صحة أو خطأ اتخاذ إجراءات الإغلاق للمدن والأعمال والحركة.
هناك شواهد على أن الفيروس ينتشر بشكل كبير فى دول العالم بعد هدنة قصيرة، ومع اقتراب الشتاء بدأت بالفعل علامات تصاعد الإصابات بشكل كبير، ومع تفاوت الأعداد بين دولة وأخرى، فإن الأمر يستحق الاهتمام، والالتزام بإجراءات الوقاية والتباعد بوصفها الأكثر تأثيرا حتى الآن.
ويأتى الفيروس فى ظل انفتاح معلوماتى وإخبارى، يجعل من الصعب على أى دولة أن تبتعد أو تنعزل عما يجرى فى العالم، أى أن «عدوى الخوف» فى الأخبار لا تقل خطرا عن عدوى الفيروس، حيث إن الدول التى تواجه أرقاما ضخمة من الإصابات، تمثل إشارة إلى خطورة الفيروس، وتمثل فى نفس الوقت ردا على التشكيك، ومن مفارقات الفيروس أن أعداد الإصابات تجاوزت 37 مليونا فى العالم منها 20 مليونا فى الولايات المتحدة والبرازيل والهند وحدها، وهناك دول عادت الإصابات فيها إلى الارتفاع، وأخرى ظلت تواجه إصابات متوسطة تفجرت فيها العدوى بسرعة خلال الأسابيع الأخيرة.
فى مصر رغم أن الإصابات تعتبر متوسطة أو أقل من المتوسط، لكن هناك نصائح من اللجنة العلمية و«الصحة» بأهمية العودة إلى الالتزام بالكمامة والتباعد، حتى لا تنقلب الحالة إلى ما هو أكثر تهديدا، خاصة مع غياب أى براهين واضحة عن أسباب اتساع العدوى فى دولة وتراجعها فى أخرى، وحتى يمكن الوصول إلى مناعة واسعة يفترض الالتزام بالإجراءات، هناك تفسيرات متعددة لانخفاض النسبة ببعض الدول لكن هذه التفسيرات فيها من الافتراض أكثر من التجارب الحاسمة، بعضها يربط بين التركيب الجينى أو التعامل الطبى، أو المناعة العامة، لكن كل هذه التفسيرات تظل غير حاسمة لحين التوصل إلى تجارب نهائية.
فيما يتعلق بالفتح والإغلاق، ما تزال الآراء متعارضة، حول ما إذا كانت إجراءات الإغلاق أدت إلى تراجع الفيروس، بل إن الدول التى لم تتخذ إجراءات إغلاق تام، بقيت أقدر على مواجهة الفيروس بشكل أكبر من دول أغلقت بشكل تام. ونتذكر أن مصر طوال الوقت لم تتخذ قرارات إغلاق تام وكانت هناك اتهامات للحكومة بأنها تتهاون، وارتفعت مطالب بالإغلاق التام، فى إشارة لدول العالم التى أغلقت تماما، لكن مع مرور الوقت، فإن الإغلاق التام لم يثبت أنه نجح فى المواجهة. بل إنه تسبب فى مشكلات كثيرة ولم يمنع انتشار الفيروس بشكل تام.
ومؤخرًا انضم آلاف العلماء وخبراء الصحة لحركة عالمية تعارض الإغلاق العام وأعلنوا أن تطبيق الإغلاق له تأثير ضار على الصحة البدنية والعقلية والمجتمع، وحذر من «أضرار جسيمة» تنتج عن تطبيق سياسات الإغلاق بسبب تفشى «كوفيد-19».
وقال نحو ستة آلاف خبير أطلقوا حركة أسموها «إعلان بارينجتون»، وأوصوا باتخاذ تدابير لحماية الفئات الضعيفة، المعرضة أكثر لخطر الفيروس. فيما أشار سيمون كلارك، خبير البيولوجيا الخلوية بجامعة ريدنج، إلى أنه إذا كانت مناعة القطيع قابلة للتحقيق، فهى غير واضحة حتى الآن، و«لا نعرف مدى فاعلية أو استمرار مناعة الأشخاص بعد الإصابة بالعدوى».
كل هذا يدفع للقول إن الأفضل هو التعايش مع الفيروس، خاصة مع غياب أى دليل على اقتراب إنتاج اللقاح وفاعليته، وغموض فكرة مناعة القطيع.