"أنا شخص عادى ولست مميزاً.. اتركونى أعمل.. فأنا أريد الاستمتاع بهذا الصخب.. أحب القتال فى كرة القدم فلا مجال للهدوء".. بهذه الكلمات بدأ المدرب الألمانى يورجن كلوب أثناء تقديمه لوسائل الإعلام فور توليه مهمة تدريب ليفربول منذ 2015، ليرسم خارطة طريق لصناعة جيل قادر على المنافسة واستعادة الألقاب، حتى أصبح المدرب الأكثر شعبية وواحداً من أفضل مطورى المواهب الكروية فى العالم.
تجربة كلوب "الملهمة" فى ليفربول، وفلسفته التدريبية ومشروعه الرياضى الناجح جميعها تستحق الدراسة، لمعرفة كيف تمكن المدرب الألمانى من صناعة جيل قادر على المنافسة واستعادة الألقاب، وماذا فعل هذا المدرب لكى ينتشل فريقاً عريقاً من الضياع ويقوده لقمة المجد، بالإضافة إلى فلسفته فى استثمار قدرات اللاعبين والتقرب إليهم ومنحهم الثقة لاستخراج أقصى طاقاتهم فى الملعب، وكيف نجح فى تحويل ألكساندر أرنولد مثلا _ ذلك الفتى الذى لم يتعد الـ21 عاماً _ إلى واحد من أفضل اللاعبين بالعالم، كما نجح فى تطوير أداء النجم المصرى محمد صلاح فى ليفربول ليصبح واحداً من أفضل لاعبى العالم، كما تفاعل كلوب مع الجماهير وشاركهم احتفالاتهم كأنه واحد منهم، عكس ما يفعله بعض المدربين مثلاً، ومنهم "جوزيه مورينيو" الذى اعتاد الدخول فى صدامات مع نجوم الفريق واتهامهم بالتخاذل، وتكون النتيجة فقدان الثقة بين المدرب واللاعبين وفى النتيجة معروفة فى النهاية.
يورجن كلوب واحد من المدربين الذين يمتلكون روحاً حماسية هائلة، وقدرة فائقة على تطوير مواهب اللاعبين، ويعكس تلك الروح على أداء اللاعبين فى الملعب، ولتطبيق فلسفته التدريبية اختار الطريق الأسهل للتواصل مع اللاعبين، بالتقرب إليهم والنزول إلى مستوى أعمارهم ومشاركتهم احتفالاتهم ولحظاتهم السعيدة، كما حاول كلوب المزج بين الحافز واستثمار السمات الشخصية لكل لاعب، والتنظيم والتكتيك، فضلاً عن تطوير خطط الضغط العكسى واللعب المباشر، وهو ما ظهر فى العديد من المناسبات ورصدته وسائل الإعلام.
كل ذلك انعكس على أداء اللاعبين فتحولوا إلى مقاتلين فى أرض الملعب لتحقيق أهدافهم والفوز بالبطولات، وظهر ذلك فى جميع الأندية التي دربها بدءاً من تحقيق حلم ماينز بالصعود للبوندزليجا عام 2004، ومع بوروسيا دورتموند توج كلوب بالدورى الألمانى مرتين وكأس السوبر الألمانى مرتين وكأس ألمانيا مرة، في حين لم يكتمل الحلم الأكبر بعد خسارة نهائى دورى أبطال أوروبا، أما معجزات كلوب الكبرى فتحققت مع ليفربول بالتتويج بلقب الدورى الإنجليزى الذى انتظرته جماهيره 30 عاماً، فضلاً عن الفوز بدورى أبطال أوروبا والسوبر الأوروبى وكأس العالم للأندية.
وحتى في لحظات الضعف والخسارة بدا كلوب قويا متماسكا وداعما للاعبيه، لم يتنصل من المسئولية بعكس بعض المدربين، وهو ما ظهر بعد الخسارة الكارثية من أستون فيلا 7/2 فحاول المدرب منح كتيبة الريدز دفعة معنوية مؤكدا أن الخسارة ليست نهاية المطاف وأنها جزء من كرة القدم، وأنهم أمامهم فرصة للتعويض واستعادة الثقة في المباراة المقبلة، وأنه ربما تكون الخسارة فرصة لاستعادة الثقة وترتيب الأوراق، وهو بكل تأكيد واثق في قدرات لاعبيه وإمكانية تخطى تلك الخسارة والوقوف مجددا.
أما جوزيه مورينيو فهو واحد من كبار المدربين حول العالم، يمتاز بقوة الشخصية وتطوير الأداء، إلا أن ما ينقصه هو استثمار قدرات اللاعبين، فهو دائم الخلاف مع نجوم الفرق التى دربها، يركز على فرض نفوذه على غرفة ملابس اللاعبين، وكانت تلك المشكلة عاملاً رئيسياً فى رحيله عن مانشستر يونايتد بعد خلافاته مع بعض النجوم وعلى رأسهم بول بوجبا، الذى لم ينجح فى استثمار موهبته وتطوير تلك الموهبة، وفشل فى احتوائه وبعض نجوم الفريق الذين دخل فى صدامات معهم، وكانت النتيجة بالرحيل عن مانشستر.
"سبشيال وان" لم يعد "سبشيال وان"، فلم يطور فلسفته التدريبية ولم يغير سياسته العدائية تجاه نجوم الفريق، ولم يستفد من أخطاء الماضى، وإنما يحاول تكرارها مرة أخرى داخل غرفة ملابس نادى توتنهام، بعدما سارع بتحميل لاعبى فريقه مسئولية الخسارة من إيفرتون فى الجولة الافتتاحية للدورى الإنجليزى، متهماً إياهم بالتكاسل وعدم التركيز فى المباراة.
"كلوب" مثال للمدرب الناجح الذى يعى جيداً تطوير مواهب اللاعبين واستثمارها لتحقيق البطولات، عكس "مورينيو" الذى لا يجيد استغلال المواهب بل يحاول التخلص منها لمجرد فرض سيطرته على غرف ملابس اللاعبين، وهو ما فعله حينما قرر التخلص من نجم بحجم كيفين دى بروين من تشيلسى، كما سمح برحيل النجم المصرى محمد صلاح، قبل أن يتحول الثنائى فيما بعد لأفضل لاعبى العالم وليس الدورى الإنجليزى، فاستحق كلوب لقب "سبشيال وان الحقيقى" بينما يعيش مورينيو على ذكريات الماضى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة