تناولت مقالات صحف الخليج، اليوم الجمعة، العديد من القضايا، جاء على رأسها المطاعم فى زمن كورونا، وصعوبة فصل الشتاء على السوريين، بالإضافة إلى، النزاع بين أرمينيا وأذربيجان.
يوسف عبد الرحمن: خوش مطعم بالزمن الكورونى
قال الكاتب فى مقاله المنشور بصحيفة الاتحاد الإماراتية: "من أروع القصص التى قرأتها فى (الميديا) قصة مطعم فى مدينة البندقية الإيطالية، وهذا المطعم عجيب فى طريقة عمله وتعامله، والأعجب موافقة وتعاون زبائنه، ويقول سائح دخل هذا المطعم: دخلت إلى هذا المطعم وطلبت كوباً من القهوة وقطعة كيك، وكنت أتأمل المكان فى هدوء ولا يقطع هذا الهدوء إلا (رنة الجرس) لدخول زبون أو خروج أحد الزبائن.
شربت نصف فنجان القهوة ودخل أحدهم إلى المكان وسحب مقعدا بجوار طاولتى، فسارع الموظف المسئول عن خدمة الزبائن بالاتجاه إليه، فقال الزبون: لو سمحت أحضر لى كوباً من القهوة وكوباً آخر على الحائط، اندهشت من طلبه الغريب، وتساءلت بينى وبين نفسى عن مقصده فى طلب (كوب قهوة على الحائط)!.
وجلست منتظرا مترقبا لرؤية المشهد، وبعد لحظات جاء (النادل) وفى يده كوب قهوة واحد فقط قدمه لجارى الزبون ثم أخرج ورقة صغيرة وقد كتب عليها (كوب قهوة) وتحرك نحو الحائط وألصقها عليه وانصرف تاركا رأسى يلف مثل المرجل من علامات الاستفهام والتعجب!.
بعدها بدقائق معدودة دخل ثلاثة وكرروا المشهد ذاته بأن طلبوا ثلاثة أكواب قهوة وزادوا عليها بكوبين على الحائط، أحضر النادل الأكواب الثلاثة ثم ألصق ورقتين على ذات الحائط بعد أن كتب على كل واحدة عبارة (كوب قهوة)!.
أحسست وقتها برغبة عارمة فى الصراخ بكل أسئلة الاستفسار، إلا أننى تذكرت أننى فى بلد كل واحد فى حاله وما عليك إلا أن تتريث وتعرف الموضوع وتبعاته، وما هى إلا دقائق حتى دخل زبون رث الثياب واللباس وجلس بجوارى فأتاه النادل فقال له بكل أدب وبصوت منخفض وبهدوء: كوب قهوة من على الحائط.
ذهب النادل وأحضر كوباً من القهوة ثم ذهب إلى الحائط وانتزع إحدى الأوراق الملصقة عليه.. هنا فقط استوعبت ما يحدث وهو أسلوب راقٍ فى التكافل وبطريقة محترمة مهذبة تحفظ الكرامة وماء الوجه.
ومضة: فكرة جميلة يا ريت مطاعمنا تطبقها على سبيل التجربة، لأن الناس فيها خير وتحب تساعد بحيث ما تخدش الحياء ولا تبعثر كرامة المحتاج، وفي الوقت نفسه تعطي الفرصة للمقتدر لأن يتصدق بثمن (كوب عصير - ماء - ساندويش) دون التأثر بنظرات الفقير والمحتاج وعابر السبيل.
يا ريت مطاعمنا ومقاهينا ومقاصفنا المدرسية أيضا تُطبق الفكرة "الحاتمية" ذات الجوهر الإسلامى وإحدى تجارب الأمم الأوروبية المعاصرة وتخدم سياسة المجتمعات التي تحب أن يشارك الجميع بالخير، والكويت من أولى هذه الدول التي تقدم الخير والعطاء من غير منّة، ولا تؤذي المتلقي بأي صورة من الصور.
ريضا نعسان أغا
رياض نعسان أغا: شتاء سوريا
قال الكاتب فى مقاله المنشور بصحيفة الاتحاد الإماراتية: "الصيف أرحم بالنازحين المنتشرين فى برارى الشمال السورى دون سقف أو جدار، حيث يمكن البحث عن فىء فى ظلال الأشجار، إن لم تكن الأرض قفراً، لكن الشتاء شديد القسوة، حين تهب الرياح فتذرو الخيام، ويجد الأطفال والنساء وكبار السن أنفسهم في العراء، والبرد القارص ينخر العظام، ويخوض الجميع فى الأوحال، ولا مهرب من مستنقعات الدم حولهم، ومئات آلاف الأطفال بلا مدارس، ولا مشافى تكفى لمعالجة الجراح، وقد اعتاد الضمير العالمى على رؤية هذه المآسى التى تتصاعد دون أن تجد قلباً رحيماً يضطرب لبواكيها، وبات إهمال هذه الفواجع مثيراً، فقد تعامت دول العالم عن رؤيتها، وبات المتعاطفون يكتفون بالتصريحات التي يطلقونها على حذر واستحياء، وقد جعلوا القرار الدولي الآمر بالحل السياسي مشجباً يعلقون عليه العجز أو اللامبالاة بمصير ملايين السوريين، إن في فيافي النزوح، أو في مدن الشتات، ولم يعد السوريون الباحثون عن قشة يتعلقون بها للخروج من مستنقع الدم والوحل يصدقون شيئاً، أو يأملون بحبل نجاة.
ولقد هبت دول عظمى للتعبير عن اهتمامها بالقضية السورية، سياسياً وإنسانياً، فإذا بها تعبر عن هذا الاهتمام بإقامة قواعد عسكرية، حتى بات الهم الأكبر أمام المعارضين الذين انتفضوا ضد ممارسات محلية قامعة، هو استعادة السيادة الوطنية التي فتكت بها قوى خارجية، بدءاً من "حزب الله" وإيران، ثم طوفان من ميليشيات طائفية يصعب حصر أسمائها، فضلاً عن التدخل الروسي المباشر. وظهرت على الضفة الثانية ردة الفعل من جنسه الأيديولوجي، ولم يعد الصراع بين مواقف سياسية فحسب، وإنما صار صراع هويات وقوميات وإثنيات، وأوشكت سوريا الدولة أن تضيع في لجة الصراعات الدولية والدينية والعرقية، على أرضها. واليوم نشهد إشعالاً للفتنة بين أهل حوران وبين أهل السويداء، وصراعات مفتعلة بين العرب والأكراد، وبحثاً عن لهيب حارق للجميع في محاولة وضع الأقليات ضد الأكثرية من أهل السنة. والواضح أنه حين وهن الجسد السوري، ظهرت الأمراض الفتاكة التي كانت مختبئة تحت ستار استقرار بدا هشاً، قابلاً للانهيار سريعاً، وحتى مجتمع الأكثرية بدا متصدعاً، فبعضه اصطف مع السلطة يدافع عنها ويقتل الذين يرفضون ممارساتها، وبعضه الآخر لا يزال ممسكاً بجمر مطالبه رغم أن يديه تحترقان، وقد فقد وطنه وبيته وبات نازحاً مشرداً، أو لاجئاً، أو غارقاً في بحار الهروب.
هل حقاً عجز المجتمع الدولي عن فرض الحل السياسي الذي أقره مجلس الأمن دون فيتو من روسيا أو الصين؟ ما الذي يجعل العالم كله يقف صامتاً أمام مآسي يتفتت الصخر من آلامها؟ لقد تعودت أعين العالم على رؤية أشلاء السوريين، وحادثة التفجير التي حصلت قبل أيام في مدينة الباب وسط سوق شعبي تفجرت فيه سيارة قتلت العشرات وجرحت المئات، وتناثرت حولها أشلاء الضحايا، وحدها جديرة بأن يهتز العالم من أجلها، وأن يخصص لها تحقيقاً دولياً يسأل: من المجرم الذي أرسل الشاحنة؟ ومَن المسؤول عن ارتكابها؟ لكن الخبر لم يعد مثيراً لأن مشهد القتل والتفجير بات حدثاً اعتيادياً في سوريا، وقد لا يطول التفاعل الإعلامي معه أكثر من بضع ساعات.
لقد أصبح كثير من أهلنا يعتقدون أن العالم راضٍ عما يحدث بحقهم، أو غير معني به حتى على الصعيد الإنساني، وباتت المعالجات الدولية شبه مسرحيات للتعمية، دون أي حماس لإقامة العدل أو الأمن، فقضية مقتل الحريري مثلاً استهلكت خمس عشرة سنة حتى ظهرت نتائج التحقيق، ولا ندري كم عقداً من الزمان سوف تستهلك قضية تفجير مرفأ بيروت، وها هي ذي محاكم العالم الدولية ما تزال تتفرج منذ تسع سنين على مقتل أكثر من مليون سوري، وإعاقة أكثر من مليونين، وتشريد نحو أربعة عشر مليوناً، فضلاً عن استخدام الأسلحة المحرمة.
المهم أن شتاء سوريا العاشر يقترب، والمشردون ينتظرون حلاً، وجل ما يخشونه أن تعود الحرب ضارية فوق رؤوسهم في الشمال السوري، وكان حسبهم أن يجدوا لقمة للعيش وسط أكوام الخراب والدمار.
رضوان السيد
هل هى مشكلة أرمينيا وأذربيجان وحسب؟
الفضائيات اللبنانية أرسلت كلها "مراسلين حربيين" إلى أرمينيا وأرتساخ (كما يسمي الأرمن ناغورني قره باغ)، ومن الطبيعي أن يعرضوا وجهة النظر الأرمنية. ويمكن تعليل ذلك بوجود أقلية أرمنية في لبنان (هاجر ثلثها إلى دولة أرمينيا خلال ثلاثة عقود، كما هاجر رُبعهم أو ربعها إلى الدول الغربية). والأمر نفسه يمكن قوله عن أرمن سوريا.
تعود القضية الأرمنية في زمانها الحديث، إلى الحرب العالمية الأولى، وقد امتلكت مثل الأكراد والمسيحيين (اللبنانيين) واليهود حُلُم الدولة القومية على أنقاض الدولة العثمانية المتصدعة. وقد حصل المسيحيون على لبنان الكبير (1920)، كما حصل اليهود على وعد بلفور (1917) بالوطن القومي اليهودي. أما الأرمن فلم يحصلوا إلا على مذبحة عام 1915، والتي أقْصت المطمح الأرمني عن أرض الدولة التركية إلى الأبد، في حين ظلّ الحُلُم الكردي موزعاً على ثلاث دول أو أربع، وبعد قرابة المائة عام، ما تحقّق غير الحكم الذاتي في كردستان العراق!
في عام 1923 - 1924 حقق ستالين للأرمن حُلُم الكيان ذي الحكم الذاتي في أكبر تجمعٍ لهم في القوقاز، والعاصمة يريفان. ومنذ ذلك الحين نما في الوعي الأرمني هدف الدولة - الأمة. فصارت الجمهورية الصغيرة دولة الأمة الأرمنية، مثلما صارت إسرائيل فيما بعد دولة الشعب اليهودي. أما الإقليم الجبلي المجاور لأرمينيا (جبل الغابة السوداء)؛ فقد ضمه ستالين إلى أذربيجان، مع أن فيه كثرة سكانية أرمنية. فلمّا سقط الاتحاد السوفياتي عام 1990، انتهز الأرمن الفرصة وحاولوا استعادة ما اعتبروه جزءاً من أرض الأمة. وقد ساعد الجميع بمن فيهم الإيرانيون أرمينيا (هناك أكثرية شيعية في أذربيجان، بيد أن الشعب الآذري من أصول تركية)، وما تدخلت تركيا علناً، فطردوا الجيش الآذري من الإقليم، وظلّ الوضع مقلقاً؛ لأن الإقليم ما انضمّ إلى أرمينيا، ولا أعلن استقلاله، وتشكلت مجموعات (منها مجموعة مينسك) للوساطة، ومجلس الأمن والتعاون الأوروبي، ونشب القتال مرات عدة من جديد، وصار وقف النار رهناً بالضمانة الروسية، وقد سارع الروس لعقد تحالف للحماية مع أرمينيا، فانحمى الاستقرار نسبياً، لكن الأرمن ذوي الميول الغربية ما عاد يمكن لهم الحراك خارج قبضة موسكو. ومضت أذربيجان انتقاماً باتجاه التحالف مع تركيا وإسرائيل!
لقد عاد الآذريون إلى إنشاب الحرب، ويبدو أن الإعداد للقتال كان يجري منذ مدة؛ لأن الأتراك أعلنوا فوراً عن دعم أذربيجان، وأرسلوا الأسلحة والخبراء، وألفين من المرتزقة السوريين (!)، في حين ما بدا أنصار أرمينيا متحمسين هذه المرة حتى روسيا وإيران. بينما سارع الأرمن من سائر أنحاء العالم للتطوع من أجل الدفاع عن أرمينيا والإقليم، باعتبار أن أرمينيا هي دولة الشعب الأرمني، كما هي إسرائيل دولة الشعب اليهودي.
لكن التضامن مع أرمينيا لا يقتصر على الأرمن في أنحاء العالم؛ بل هو ظهر في المنطقة أيضاً بين الأقليات المسيحية والكردية. إذ كل الأقليات تخشى التصدع والاستقطابات الحاصلة في الدول الوطنية بالمنطقة، وتعتبر أن الأمان في الدول والكيانات الوطنية والقومية الخاصة ولا شيء أقلَّ من ذلك. وهكذا؛ فالتضامن في لبنان (المسيحي) مع الأرمن، ليس قاصراً على الأقلية الأرمنية، بل هو يعبّر أيضاً عن تماثُل الحالة (أقلية مسيحية وأكثرية مسلمة)، وعن الخوف على المصير.
لماذا العودة إلى القتال الآن؟ يقال بسبب أنابيب النفط والغاز، بل وإمكان وجود ثروة بترولية في الإقليم. أو أن تركيا النصير الأول لأذربيجان وجدت الموقف مناسباً الآن، ما دامت هي تخوض المعارك في كل مكان لإزعاج الجميع!
ما طمحت أذربيجان (حتى الآن على الأقل) إلى دخول الإقليم وتحريره من العسكر الأرمني. بل حتى الآن يطالب الآذريون بانسحاب الجيش الأرمني من الإقليم وحسْب. ويبدو الأرمن سريعي الاستجابة للسلم، باعتبار أنّ الإقليم معهم ويخشون فقده. ولا يبدي الآذريون حماساً للقتال، لكن الأتراك شديدو الحماس تماماً مثلما حدث في ليبيا. وقد رضي الطرفان تحت ضغط الروس ومن موسكو بالهدنة لأسبابٍ إنسانية. بيد أن كلاً منهما لا يزال يزعم أن الآخر يخرق الهدنة ويوقع خسائر بالمدنيين.
إن التحدي أولاً وآخراً يقع على عاتق روسيا، التي يكون عليها جمع الطرفين (وقد فعلت)، وفرض حلّ بعد وقف النار أو العودة لفرض الهدوء كالسابق وإن تعذر الحل.
إن الملاحظ أن الدولاب يدور عكس السابق. كانت روسيا في موقع الهجوم في أماكن عدة بالقوفاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط. لكنها الآن في حالة دفاع تناضل للخلاص منها في أوكرانيا وروسيا البيضاء وأرمينيا. وفي كل هذه الأماكن تبدو «الشعوب» ضد الفرض الروسي للهدوء أو الانضباط.
لكن المعسكر الآخر الأوروبي - الأميركي شديد الاضطراب أيضاً؛ فبين أوروبا وأميركا ما صنع الحداد. ثم إن تركيا تتمرد على الجميع في شرق المتوسط.
المفروض أن الدولة الوطنية لا تزال هي عماد "النظام الدولي". ونموذج التعامل مع الاستفتاء الكردي في العراق على الاستفتاء وفشله يدل على أن تغيير الحدود لا يزال غير ممكن. لكن قواعد النظام التي كان الاعتراف بها سائداً حتى في الحرب الباردة ما عاد يعترف بها لا الصغير ولا الكبير. بل إن الدول الكبرى نفسها هي التي تتصارع على التقاسم. ولننظر ماذا يحدث في فلسطين وسوريا وماذا حدث في القرم.
يبدو الجميع الآن متعبين جداً بسبب الانهيار الاقتصادي، ومصائب «كورونا». فهل هناك إمكانية ليجلس الجميع إلى طاولة التفاوض؟! حتى الآن لا يريد أحد من المتنازعين الاعتراف بالحاجة إلى ذلك. فالتفاوض يتحدث عنه الأوروبيون فقط. وهو عندما يحدث لا يريد أحد التنازل عن شيء!