احتفلت قواتنا المسلحة قبل أيام بيوم "القوات الجوية" والذي يواكب ذكرى "معركة المنصورة" التي حقق فيها نسور مصر انتصارا غير مسبوق في تاريخ الطيران الحربى على مستوى العالم وحتى الآن، باعتبارها أضخم معركة جوية من حيث عدد الطائرات، حيث اشتبكت 180 مقاتلة من الجانبين 60 مقاتلة مصرية مقابل 120 مقاتلة إسرائيلية، وأيضًا لكونها المعركة الأطول زمنيًا من حيث الوقت، حيث استغرقت، 53 دقيقة كاملة من القتال الجوى التلاحمي، ومن ثم صنفت تلك المعركة ضمن أضخم 6 معارك فى التاريخ العسكري حسب موقع "نرويتش" الأمريكي، الذى وضع قائمة لأضخم 6 معارك جوية في التاريخ العسكري، وأطول المعارك الجوية في التاريخ التى شاركت فيها آلاف الطائرات الحربية.
وهنا نذكربكل فخر وإعزاز بأنه فى يوم 14 أكتوبر 1973 حدث المعجزة، فقد حاولت الطائرات الإسرائيلية الانقضاض على المطارات العسكرية وقواعد الصواريخ في منطقة شمال شرق الدلتا للقضاء عليها، وعلى الفور تعاملت معها الطائرات المصرية في قواعد المنصورة وأنشاص وتصدت لها، ونشبت معركة كبيرة اشتركت فيها نحو 180 طائرة، وأظهر الطيارون المصريون كفاءة عالية، ورغم التفوق العددي والنوعي للطائرات الإسرائيلية، إلا أن حجم الخسائر بين صفوفهم وصلت إلى 17 طائرة إسرائيلية، بينما خسرت القوات الجوية المصرية خمس طائرات فقط، سقط اثنان منهم بسبب نفاد الوقود، واضطرت الطائرات الإسرائيلية التى نجت أن تفرغ حمولاتها وتعود لقواعدها بخسارة كبيرة دون تحقيق أهدافها.
معروف أن معركة المنصورة الجوية، كانت رابع غارة تشنها إسرائيل في عمق مصر من بداية حرب أكتوبر، وسبقها غارات في المنصورة وطنطا والصالحية في 7 و9 و12 أكتوبر دون نتيجة، وفى يوم 7 أكتوبر أسقطت الصواريخ المصرية 22 طائرة إسرائيلية، وفى يوم 14 أكتوبر شنت 120 طائرة من نوع "الفانتوم وسكاي هوك وميراج 2000، مقابل 80 طائرة حربية تابعة للقوات المصرية، من طراز ميج 21 وسوخوي 7 وميراج 2000، إضافة إلى محطات الرادار المصرية، المسئولة عن توجيه وإدارة أعمال قتال تلك الطائرات المصرية، لكنها فشلت، ومن هنا اتخذ هذا اليوم عيدًا للقوات الجوية.
وماتزال "معركة المنصورة" تدرس في أكاديميات العالم كشاهد حي على أن نسور مصر أذهلوا العالم، وبالنظر إلى إمكانات طائرات كل طرف، ظهر التفوق العددي والنوعي للطائرات الإسرائيلية، أمام الطائرات المصرية، ما يؤكد لنا، أن الطيارين المصريين كانوا العنصر البشري الذي حسم طرفي المعادلة الصعبة جراء التدريب في وقت السلم، سواء على فن قيادة الطائرات الحربية، أو التخطيط، أو إدارة العملية، وهو ما حقق النصر لمصر، ومكّن طياري قواتنا الجوية من التغلب على الضعف النسبي لإمكانات الطائرة "الميج"، أمام "الفانتوم وسكاي هوك"، وقد ظهر في أثناء تلك المعركة دقة التنسيق والمزامنة بين الطائرات المصرية ووسائل الدفاع الجوي المصري، فلم تسقط طائرة مصرية بنيران صديقة، رغم حائط الصواريخ التابع للدفاع الجوي المصري، الذي كان قد أربك القوات الجوية الإسرائيلية طوال أيام حرب أكتوبر 73، وحيد قدراتها.
وتتجلى عظمة القوات الجوية في تلك المعركة التي سجلت أرقاما قياسية في التاريخ العسكري العالمي، في تفوق ملحوظ في تكتيكات المخطط ومدير عملية المنصورة، على الأرض، الذي كان يدفع بالمقاتلات المصرية، بالتزامن مع استهلاك الطائرات الإسرائيلية لمعظم وقودها، فتندفع خلفها الطائرات المصرية، لتدميرها، ليقينها بأنه لم يتبق لها من الوقود إلا ما يسمح لها بالعودة للقواعد الإسرائيلية، دون القدرة على الاشتباك، إضافة لكفاءة الأطقم الفنية المصرية على أرض المطارات المصرية الحربية بسرعة إعادة تموين الطائرات بالوقود بعد عودتها من المهمة، وتطبيق الكشف السريع للصيانة، ثم إعادة تذخير الطائرات بالذخائر المطلوبة، وهو ما كان له الفضل في سرعة عودة الطائرات المصرية إلى سماء المعركة.
كواليس هذه المعركة تشهد بكفاءة الطيار المصري الذي كان يحمل عقيدة قتالية قوية قائمة على الرغبة في الانتقام حتى آخر نقطة وقود وآخر نفس في حياته يقوده للاستشهاد في سبيل استرداد كرامة المقاتل المصري، ومن ضمن تلك الكواليس أنه حاول الطيران المعادى أن يكسر نجاح طيارى "قاعدة المنصورة" في التصدي لأول موجة هجوم إسرائيلية، وعاد في موجة جديدة وللمره الثانيه جاء أمر إقلاع فورى قبل أن تصل الطائرات المعاديه إلى المطار، فتم توجيه تشكيل مضاد لإحدى طائرات الفانتوم التى كانت تطير وكأنها تبحث عن شئ ما، فدخلت إحدى الطائرات المصرية خلفها مباشرة وبدأ الطيار الاسرائيلى بالمناوره للتخلص من الاشتباك، واستمر الطيار المصري في المطارده بمهارة كبيرة وثقه حتي أحكم التنشين عليها وأطق صاروخا فأنفجر الصاروخ تحت جناح الفانتوم وهوت إلى الأرض، فكان هذا الاشتباك إثبات جديد على قدرة طيارينا في الدفاع عن مجالنا الجوى، وتأكيداً لانتصار اليوم السابق.
ويبدو لافتا للنظر أن الإسرائيليين أقروا بأن معركة المنصورة، كانت جزءا من خطة عسكرية إسرائيلية بنودها كانت تهدف لعزل مطارات الجبهة المصرية وإلحاق خسائر موجعة، وفي تلك الأثناء ستقوم قوة جوية هائلة بقطع إمدادات ونقاط اتصال القوات المصرية برا تمهيدا لحصارها أو تدميرها، وأخيرا تدمير الروح المعنوية العالية للجيش المصري عن طريق سحق قوته الجوية، وإبقاء سلاح الجو المصري بحالة دفاعية لا يتجرأ على الاقتراب من جبهة المعارك البرية، لكن رد الفعل المصري أذهل العدو بكفاءته القتالية، وأوقعه في شرك التدمير، حتى أن الطيار الإسرائيلي في حرب أكتوبر 1973 "إيتان بن إلياهو" قال معترفا: أننا حاولنا القيام بعبور مضاد حيث أمدتنا الولايات المتحده بكل العتاد اللازم خلال ساعات محدودة وتمت تعبئة الطيارين، كنت أول من وصل إلى القناة لكني وجدت الأمر مختلفًا جدًا هذه المرة، وهربت بطائرتي وطلبت منهم في القيادة ألا يرسلوا أي طائرات أخرى لأن الطائرة التي ستذهب ..لن تعود!
سيظل يوم 14 أكتوبر خالدا في التاريخ المصري إلى الأبد، جراء تلك المعركة الفاصلة على أرض "المنصورة"، والتي شكلت مفتاح النصر لقواتنا البرية ومهدت للعبور العظيم واقتحام خط برليف الذي ادعوا أنه منيع وعصي على التدمير، ومن ثم أحدث المصريون تفوقا عسكريا أربك العدو وشل حركته
ولأجل كل ماسبق، ينبغي على الشعب المصرى كله بمختلف فئاته أن يفتخر بقواته المسلحة وقواته الجوية التى تقف دائما مع إرادة الشعب العظيم ضمانا لاستقراره ورخاؤه وصونا لمقدرات شعبنا العظيم وتاريخه وحضارته المجيدة لتظل مصرنا الغالية حرة أبية. ذات سيادة على كامل ترابها المقدس.