لأول مرة ينتقل منصب مرشد جماعة الإخوان الإرهابية من مصر إلى أحد مكاتبها في الخارج، وذلك في أعقاب كتابة وزارة الداخلية شهادة وفاة التنظيم داخل مصر وإلقاء القبض على آخر عضو بمكتب الإرشاد وهو محمود عزت القائم بأعمال المرشد العام، ورغم تفتت جماعة الإخوان وتشتتها فى بقاع الأرض إلا أن عملية تمويل الإرهاب مازال مستمرا حيث يتم إدخال الأموال عبر طرق مشروعة وغير مشروعة من اجل تحقيق هدف تلك الجماعة فى التخريب وعدم الاستقرار.
اللواء أحمد عفيفى الخبير الأمنى والمتخصص في حركات الإسلام السياسي، كشف خلال حواره مع اليوم السابع العديد من النقاط الهامة حول وضع الجماعة فى الوقت الحالى والفراق بين أزمة الجماعة (١٩٥٤) والازمة الحالية الناحية التنظيمية وهل هناك بالفعل مراجعة لموقف الغرب من (جماعة الإخوان).
محمود عزت
وإلى نص الحوار:
بعد القبض على القيادي الإخواني (محمود عزت) القائم بأعمال المرشد ، و تعيين (إبراهيم منير) خلفا له، و فى ظل وجود المرشد العام وقيادات الجماعة بالسجون.. كيف ترى الجماعة ما بين أزمة (1954) و الوضع الحالي لها من الناحية التنظيمية !؟
- وفقا للمخطط طويل المدى لفكرة التنظيم الشامل شمول الإسلام لكل جوانب الحياة ،فإن دورة الحياة التنظيمية للجماعة العجوز مرت بأربعة أطوار أساسية ؛ منهم اثنان متشابهان ، الطور الأول (طور تدشين التنظيم) و الذي بدأ عمليا بعد عقد المؤتمر العام الخامس للجماعة عام (1938) أى بعد عشر سنوات من تأسيس الجماعة ، و لم يكن ذلك من قبيل المصادفة كما يعتقد بعض منظري الجماعة أو هكذا يحلو لهم الإدعاء، و إنما هو موعد محسوب لإعلان مولد التنظيم ، و يعتبر المؤتمر الأول للجماعة التي تعلن فيه للمجتمع و للعالم عن نفسها كتنظيم يحمل دعوة وفق منهج ، و لها رؤية و لديها مواقف و آراء تجاه قوى المجتمع و هيئاته و تجاه الدولة ، و له أهداف واضحة معلنة على رأسها الوصول للحكم و لو عن طريق القوة ، خلال هذا الدور بدأ الانتشار النوعي والجغرافي محليا ثم دوليا ، وكانت المرحلة مزيجا من العمل الدعوي و المزاحمة السياسية ، و اختراق طبقات و تكوينات المجتمع ، بجانب العمل المسلح الذي يتولاه النظام الخاص.
ثم جاء الطور الثاني (طور الانكسار) الذى شهد قرار حل الجماعة عام (١٩٥٤) و هي حالة التفكيك الأولى للتنظيم تحت وطأة الضربات القاصمة من النظام الناصري لوقف جموح الجماعة و القضاء على العنف المتصاعد المؤسس على فكر التكفير ل (سيد قطب) ، و عاشت الجماعة "زمن الشتات الأول" قيادات بالسجون و بقايا قيادات الصف الأول و معظم قيادات الصف الثاني هاربين بالخارج بعدد من الدول العربية.
إبراهيم منير
جاء بعد ذلك (طور التأسيس الثاني) عندما قرر (السادات) فتح صفحة جديدة مع الجماعة و إتاحة مساحة لها للتحرك ، و تميزت هذه المرحلة بعدد من السمات الواضحة أهمها : الحرص على الابتعاد لمسافة آمنة من التنظيمات الإرهابية ، و استنكار أعمال العنف و الإرهاب ، وفى نفس الوقت هناك إدارة محسوبة للعلاقة السرية مع تلك التنظيمات ؛ و قد ظهرت نتائجها فى الانضواء السريع لفصائل العنف القديمة (الجهاد و الجماعة الاسلامية) تحت الراية الإخوانية ، و الاندماج فى المشروع الإخواني للحكم ، تميزت أيضا بسعى الجماعة الدءوب لتحقيق حيز كبير من الانتشار و معدلات الضم وتقوية اقتصادها و اختراق كافة ماتستطيعه من منظمات المجتمع المدنى و مؤسساته : كالنقابات والأحزاب و البرلمان و الجامعات و الجمعيات ، و القطاعات الهامة بالدولة : كالتعليم و الصحة و الجهاز الإدارى ، تمكنت الجماعة خلال أربعة عقود(1981 / 2011 )هي عمر هذه المرحلة من الاستقرار فى منطقة (المسكوت عنها) ، و أدارت علاقتها بالنظام و بالدولة وفق منطق" شعرة معاوية" ، و كذلك فعل الطرف المقابل -وكانت سمة التعامل مع الجماعة بدول المنطقة-كانت مرحلة يسبق فيها التخطيط التنفيذ ، وكان التنظير واسع و التنفيذ بطىء حذر .
و في تحول خطير و غير مدروس ـ بفعل حالة الانتشاء بالوصول للحكم ثم وقع صدمة السقوط ـ سبقت الحركة التنظير و سبق الفعل التخطيط من (2011 )و حتى( 2013) لنصل إلى (طور الشتات الثانى) و ربما يكون الأخير ، و هو "طور النهاية" وفقا لقانون دورة حياة التنظيمات ، و الشواهد و قراءة الوضع الإقليمي بإجماله و بداخله الجماعة تشير بوضوح إلى ذلك ، و تكليف قيادات من نوعية (إبراهيم منير) لإدارة العمل ما هو إلا اختيار الأزمة ، فالحركة الآن دون تخطيط ، مجرد رد فعل و محاولة البقاء على قيد الحياة مصحوبة بحالة هجومية عنيفة و لكن مشتتة ما تلبث أن تضعف حتى تتلاشى..هذه هى السنة الكونية و منطق الصيرورة الاجتماعية.
"شباب جماعة الإخوان " ملف على جانب كبير من الأهمية كونهم يمثلون شريحة فى المجتمع..فى ظل حالة التفكك التنظيمي التي أشرت إليها.. ما تقييمك لخطورة هذا الملف و كيفية التعامل معه ؟
- فى البداية و حتى نستطيع أن نؤسس لفهم وضعية "شباب الجماعة" يجب أن نتفق على أن كل كيان يحمل منذ مولده بذور نهايته وفنائه ، و لقد ولدت جماعة الإخوان و فى تكوينها فجوات من الازدواجية و التقية و الباطنية بممارسة الفعل وفق مقتضيات اللحظة بخلاف الاعتقاد السائد و المستقر ، و عاشت على هذا الشكل حتى(2011) ، (البنا) المؤسس كان يعلم ذلك وحرص منذ البداية على أن يكون البناء التنتظيمي محكم الغلق ، فأسس "نظام الكتائب" و الذى لم يسبقه إليه أحد فى نظم التكوين التنظيمي ، فهو نظام تربوي عميق ذو تأثير مباشر على الفرد ، يُنشيء حالة روحية عالية بين المسئول "الملقن" و" المتلقي الشاب "
فى جو من التجرد و الاستعداد الفائق للتقبل و الفهم و الاعتقاد و الاتباع ، وفقا لبرنامج محكم يضمن سلامة التكوين و تثبيت المبادئ و المفاهيم التى تعتبر أساس البناء التنظيمي حتى الآن ، وأهمها مبدأ "السمع والطاعة" و الإحساس بالرقي و العلو الديني و الروحي عن الآخرين ، و قدسية الرابطة التنظيمية حيث الارتباط فى أصله روحي عقائدي قبل أن يكون محققا باللوائح.
- مبدأ آخر فى غاية الأهمية و الخطورة رسخه "نظام الكتائب" و هو التعطيل الاختيارى لملكة التفكير الفردية ، و استبدالها بالرؤية الإخوانية الموحدة و العقل الجمعي للجماعة ، بعد أن يتم غلق كافة منافذ المعرفة و حظر جميع العلوم الدينية و الآراء الفقهية التي لم تجيزها الجماعة. على ضوء ذلك إذا نظرنا إلى حالة التفكك التنظيمي الحالية نستطيع أن نلاحظ حجم ما ترتب بالضرورة من انفتاح تلقائي للقواعد الشبابية للجماعة على المجتمع بثقافاته ومنابعه الفكرية المتعددة التي كانت محجوبة عنهم ، و تولد قناعات جديدة ، و سنجد منهم من أصبح أكثر تطرفا و انخرط فى مجموعات تابعة لتنظيم داعش ، أو ضمن إعادة هيكلة الجناح العسكري المسلح للجماعة مثل "لواء الثورة" و "مجموعة حسم" ، و منها من ذهب فى إتجاه مناقض للقناعات الإخوانية بعد أن اكتشف فساد الفكر ، هذه الفجوات كان التنظيم يقوم بردمها أولا بأول بمجرد ظهور بوادر لها ، و كان يمتلك الكوادر و الآليات التنظيمية التي تتكفل بهذا الدور ، هذا لم يعد ممكنا الآن ، و هنا تكمن الأزمة.. ففي الوقت الذي انكشف فيه الغطاء الفكرى ، و تفككت فيه الحاضنة التنظيمية عن شباب الجماعة ؛ حالت طبيعة المرحلة و ما تشهده من أحداث و تهديدات وجودية لدول المنطقة فى ظل الصراع القائم ، و تسارع جهود الدولة بالداخل و الخارج لتجاوز المرحلة بسلام ، و دفع عملية التنمية دون تبني برنامج متكامل للتعامل مع هذا الملف ؛ بحيث يضمن تنفيذ خطط مكافحة الإرهاب و إنفاذ القانون. وفى نفس الوقت إقرار آلية تحول دون تنامي الفكر المتطرف لدى تلك الشريحة ؛ خاصة من لم يتورط منهم فى أعمال العنف ، و إن كان هناك جهود ملحوظة فى هذا الإتجاه تظهر فى عمليات الإفراج المنتظمة عن دفعات كبيرة من هذه الشريحة من وقت لآخر.
فى ظل الواقع الإقليمى المأزوم و الاضطرابات التي تشهدها المنطقة..كيف ترى حركة (جماعة الإخوان) على خريطة الصراع ؟
- (جماعة الإخوان) جماعة هدفها الأوحد الحكم و السلطة- لم يتغير منذ نشأتها و حتى الآن - تمارس فى سبيل تحقيق هذا الهدف كافة صور الميكافيلية ، لم تسقط يوما مبدأ العمل المسلح ، و لكن تضعه فى آخر خانة للاختيار ، و اليوم تقوم بدور واضح و محدد فى تنفيذ مخطط التقسيم ، و ما زلنا نذكر مبادرات الجماعة خلال العقد الأول ما قبل "ربيع الفوضى" ؛ عندما قامت بطرح مبادرة الإصلاح في مصر في (مارس 2004)، و أعلنت الجماعة قبولها بتأسيس حزب مسيحي ، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك و قررت أنها لا تمانع بأن يتولى حكم البلاد مسيحي ، و فى نفس العام أصدر إخوان سوريا "ميثاق الشرف الوطني" ، ثم جاء عام (2004) لما عرف بـ "المشروع السياسي لمستقبل سوريا" ، و أعلنوا التزامهم بقواعد الحياة الديمقراطية بهدف بناء دولة مدنية ، و الآن تمارس الجماعة كافة صور العنف و الإرهاب بمصر ، وتؤجج لدعاوى الفتنة الطائفية والحروب الأهلية و التحريض على الفوضى ، و فى (سوريا) و على النقيض من الموقف الذي أصدرته الجماعة في (يونيو 2017) تحت اسم "الميثاق الوطني لمواجهة تقسيم سوريا" ، و خلافا لادعاء مجلس (شورى الجماعة) بتولي مهمة تحرير البلاد من الاحتلال ، لم تتوان الجماعة عن تأييد الهجوم التركي على ( عفرين )، و احتلال القوات التركية لأجزاء أخرى من الأراضى السورية ، و لازالت تذكى الصراع المذهبى فى (سوريا) بهدف التقسيم ..
- و في (السودان) عندما تمكن تنظيم الحركة الإسلامية من الحكم منذ أكثر من ثلاثة عقود مارس كافة صور الإقصاء ، و اتبع سياسة إفقار الشعب السوداني ، و الآن يتحين الفرصة للتسلل و العودة مرة أخرى فى ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية تحت دعاوى الزحف الأخضر ، و محاولة استعادة جزء من الشارع السودانى ..
-أما فى (ليبيا) تحرص الجماعة على بقاء أفق الحل السياسي مسدودا ، و تدعم أسباب الصراع على قاعدة من المصالح المشتركة مع (تركيا) التي تسعى للاستيلاء على الثروات الليبية مقابل وعد أقرب للوهم بتمكين الجماعة من حكم البلاد أو ما يتبقى منها بعد التقسيم..
هذه هي أبرز ملامح خارطة تحرك الإخوان بالمنطقة ، بينما التفاصيل كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
هل يمكن اعتبار أن هناك دورا مباشرا للتنظيم الدولي في إدارة شئون الجماعة بمصر في ضوء تكليف قيادي التنظيم الدولي (إبراهيم منير) مؤخرا ؟
- بداية أنا لا أؤيد فكرة أنه لازال هناك تنظيم دولي بالمعنى المؤسسي يمارس دورا ما ، و لكن نستطيع أن نقول بشكل أدق أن الجماعة لها أكثر من مستوى للحركة .. مستوى دولي و مستوى إقليمي ، و كذلك لها تحركها الداخلى بكل دولة تتواجد بها ، هذه الحركة تنطلق من ترتيبات و حسابات محلية بحتة للتنظيم بدولة وجوده، و عندما يستدعى الظرف الداخلي تحركا على مستوى إقليمي أو دولي ربما فى ذلك الوقت تتم بعض التنسيقات بين التنظيمات القطرية ، و لن تجد تحركا أيا ما كان يجرى بعيدا عن رؤية مرشد أو مراقب الجماعة -حسب التسمية- ببلد التنظيم و قرار القيادات ، (المرشد العام) نفسه خاصة بسنوات ما قبل (2011) كان دائما يبدو فى صورة رجل الدولة أقرب منه قيادة إسلامية عالمية ،و التصور السائد بوجود تنظيم دولي بالمعنى المتعارف عليه تولد نتيجة شيوع الاستخدام التنظيرى للمسمى ارتباطا بفكرة إقامة دولة الخلافة الإسلامية و رافعتها السياسية التنظيم الدولى لتحقيق المشروع الكبير ، و ذلك منذ أن تشكلت نواة التنظيم العالمي فى نهاية سبعينيات القرن الماضي على يد قيادات الجيل الأول ، و معظمهم من رجال التنظيم السري ، كان أبرزهم المرشد الأسبق (مصطفى مشهور) و (كمال السنانيرى) ، و أعلنوا عنه فى (مايو 1982) ،و حظى بدعاية براقة بعيدة عن الحقيقة استمرت حتى أوائل التسعينيات ، لكن فى الواقع لم تكن له سلطة ملزمة على أى من التنظيمات الإخوانية القطرية ، و كان ذلك الإتجاه التنظيرى هو الغالب قبل (2011) ، و استمر بعدها ذلك التصور حتى الآن ارتباطا بتصاعد التحرك الإخواني على المستويين الإقليمي و الدولي منذ سقوط الإخوان من على رأس السلطة بمصر ، و تداعى الانهيارات على كافة المستويات.
من آن لآخر تنشط مطالبات دوائر سياسية ب (أوروبا) و (الولايات المتحدة) تطالب بإدراج جماعة (الإخوان المسلمين) كمنظمة إرهابية ..
فهل هناك بالفعل مراجعة لموقف الغرب من (جماعة الإخوان) ؟و لماذا لم يتم حظر الجماعة ب (الولايات المتحدة الأمريكية) و الدول الأوروبية حتى الآن ؟
- بالرغم من ثبوت تورطهم فى تمويل الإرهاب و ارتكاب العديد من أعمال العنف المسلح..لاتزال (بريطانيا) الملاذ الأكثر أمنا للإخوان حتى الآن ، فالعلاقات بين (لندن) و (الجماعة) تاريخية ، و هى تشبه جبل الجليد ما يظهر منه أقل بكثير مما يختفى تحت سطح الماء .
رسميا الموقف البريطانى يرفض اعتبار (الإخوان) تنظيما إرهابيا ، و لازالت الحكومة الإنجليزية تحتضن قيادات الجماعة الهاربة ، و تمنحهم حق اللجوء السياسى مثل (إبراهيم منير) أمين التنظيم الدولى و المكلف بإدارة شئون الجماعة بمصر الآن ، و (مها عزام) و (محمد رمضان) حفيد (حسن البنا) و (محمد سودان)، و (سندس عاصم) أحد أعضاء الفريق الرئاسى ل (محمد مرسى) و المحكوم عليها بالإعدام فى قضية التخابر مع (حماس) .
نفوذ التنظيم في (بريطانيا) تغول عبر الاستثمارات ، حيث يمتلك في (لندن) ثروة مالية ضخمة تقدر بنحو (10) مليار دولار ، هذه الاستثمارات تحول دون الحظر المباشر على أفراد التنظيم ، لذا تتجه الحكومة البريطانية إلى الحد من الأذرع و الفروع و ترك الأصل ، و حتى في مسألة الأذرع فإن قدرة السلطات الإنجليزية على التحجيم محدودة بسبب انتشار المنظمات الفرعية للإخوان في شكل منظمات خيرية ..
الموقف الإنجليزي و الموقف الأمريكي مرتبطان ؛ فالأخير لم يستقر بعد على تصنيف الجماعة كمنظمة إرهابية نتيجة ضغوط مؤثرة على (واشنطن) تمارسها شخصيات داعمة للجماعة التي نجحت فى اختراق مؤسسات أمريكية مثل (الكونجرس) خاصة فترة حكم الديموقراطيين خلال ولاية (أوباما) ، تلك العلاقة لم تنتهي مما يؤكد أن الجماعة لازالت حتى الآن ورقة لعب صالحة للاستخدام حتى و لو لم تُعد البديل المناسب الآن لأنظمة الحكم القائمة فى ظل المتغيرات الكبيرة التي أحدثها الصراع بالمنطقة..
و في (فرنسا) يزداد نشاط الجماعة تنظيميا و ماليا ، السلطات الفرنسية أعلنت تحديدها لأكثر من مائتي صيرفي خفي في (لبنان) و (تركيا) الداعم الرئيسى لجماعة (الإخوان) يتولون تمويل أنشطة تنظيم "داعش" حسب ماقرره (برونو دال) مدير جهاز مكافحة تمويل الإرهاب ، هذا بخلاف استخدام تنظيم الإخوان لثلاثة من أكبر البنوك فى (فرنسا) و هم : بنك "بلوبيلير" ، "كريدى أجريكول" ، "بى ان بى" ، كما يعد إتحاد الجمعيات الإسلامية فى (فرنسا)
-الذي يضم أكثر من 250 منظمة- أكبر الكيانات التابعة للجماعة و منبرها الرئيسى بالبلاد ، و تتبنى من خلاله خطابا مزدوجا تعجز السلطات الفرنسية عن تحديده حتى الآن ، فهو خطاب طمأنه وتسكين إذا ما توجه للدولة ، و خطاب تحريض و تكريس للتطرف إذا ما توجه للأعضاء ،
الأمر لا يختلف كثيرا بباقي الدول الأوروبية حيث أنشأت جماعة (الإخوان المسلمين) سلسلة من المنظمات تبدو مستقلة ظاهريا ؛ لكنها تدعم فى الخفاء شبكات من الشركات و الجمعيات الخيرية و المنظمات و المدارس ، ربما مؤخرا بدأت (أوروبا) تراجع مواقفها السياسية من جماعة (الإخوان المسلمين) ، و بعد أن كانت دولها حاضنة للجماعة ، نجد بعضها قد انتقل من مرحلة مراقبة الجماعة إلى مرحلة مناقشة حظرها و تصنيفها كمنظمة إرهابية ، و لكن تظل الأزمة فى أن الإتجاه الذى لازال مسيطرا على دوائر القرار و أجهزة الاستخبارات هو أنه لا مبرر لإدراج (الجماعة) على لائحة المنظمات الإرهابية و إغلاق مكاتبها ؛ على اعتقاد بأنهم لازالوا يحتاجون إليها ، و الخوف من أن حظر أنشطتهم قد يكون رد الفعل عليه هو انضمام مئات آلاف الشباب إلى منظمات إرهابية.
شهدت الفترة مابعد (2013) تصاعدا خطيرا فى ممارسة جماعة (الإخوان المسلمين) للعنف بعد توقف دام عقودا منذ الحقبة الناصرية ، اتجهت خلاله الجماعة للعمل الدعوي والسياسي..فى ظل الوضع الراهن هل ترى من نهاية تغلق عندها الجماعة ملف العنف مرة أخرى؟
- فى الحقيقة..هذه هي المرة الأولى فى تاريخ الجماعة أن تقوم بارتكاب أعمال عنف مسلح بمسئولية علنية خلال السنوات السبع الأخيرة ، لم يسبق للجماعة أن اتبعت هذا الأسلوب ، حتى فى حالات ثبوت الإدانة..كانت الجماعة تتبرأ من الجريمة و مرتكبيها على طريقة "ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين" ، مثلما تبرأ (حسن البنا) من قتلة (النقراشى باشا) ، و سار على النهج من بعده المرشد (الهضيبى) فى كتابه " دعاة لا قضاة " لتبرئة ساحة الإخوان من نهج العنف و التكفير الذي أسسه (قطب)
حسن البنا
- رغم أن الأفكار القطبية لازالت أساسا فى تشكيل العقيدة الإخوانية - و ظل هذا هو نهج الجماعة طوال حياتها ، أما الإنكار و التبرؤ أو الإدعاء بأنها أعمال نضال مسلح لمقاومة المحتل ، و بعدها لمقاومة الصهاينة ، وهكذا ..
لكن واقع الأمر..فإن العمل المسلح لم يكن غائبا عن فكر (البنا) و هو يؤسس لدعوته فى مرحلتها الأولى ، و إن ظل حبيسا فى عقله لم يعلن عنه صراحة إلا فى المؤتمر الخامس للجماعة عام (1938) ، و الذي أكد فيه : "أن الوصول للحكم بالقوة هو طريق الجماعة مالم يُجدِ طريق الإصلاح " و مالم تنضبط الحكومات بالضوابط الإسلامية -كما تراها جماعة الاخوان المسلمين - و ظل الهدف قائما غير معلن بأن تمتلك الجماعة تنظيما عسكريا مسلحا يحقق أهدافها و يضمن بقاءها ويصون شوكتها وقت عجز عظات الدعوة و مناورات السياسة ..
كانت بداية النهج الإخواني لممارسة العنف بمسئولية علنية فى نهاية (يونيو 2013) تحديدا حين قامت العناصر الإخوانية بإطلاق النار على المتظاهرين ضد استمرار الجماعة فى الحكم ، و تزايدت أعداد القتلى والمصابين خلال السنوات السبع الماضية نتيجة لأعمال العنف و الاغتيال و التفجير ، و سجل الدم حافل بتنوعات خطيرة من العمليات الإرهابية التي ارتكبتها الجماعة خلال تلك الفترة ، و يتضح خلالها مدى قدرتها السريعة على استعادة لياقتها وكفاءتها فى الإدارة المباشرة للعمل المسلح ..
هذا الملف يشكل الآن حالة من الانقسام داخل الجماعة ، فكثير من القيادات الهاربة بالخارج تصور أعمال الإرهاب التي قامت بها الجماعة على أنها أعمال كفاح مسلح مشروعة ؛ فشلت القيادات التي تدير التنظيم بالداخل أن تحولها لمكاسب سياسية ، مما أدى إلى زيادة حالة الاحتقان فى أوساط القواعد الشبابية ، فى الوقت الذي يسعى خلاله الإتجاه المضاد يمثله (التيار المحافظ) إلى الثبات على نهج التبرؤ ـ و هو النهج الأساسي للجماعة ـ حتى لا تفقد دعم الغرب..
أيضا يجب ألا نغفل نمطا مستجدا على نهج العنف الذي تمارسه الجماعة الآن ، و هو (الميليشيات المسلحة ) التابعة لها بأكثر من دولة بالمنطقة فى (ليبيا) و ( سوريا ) ، و التي تشارك فى حالة الصراع الإقليمي من خلال حروب الوكالة ، و بدعم و تمويل سخي من (تركيا) و (قطر) ..
إجمالا نستطيع القول بأن ملف العنف الإخواني فى المرحلة الحالية بات على نحو بالغ التعقيد و التشابك ، و تداخلت فيه مصالح أطراف إقليمية و دولية ، و ارتبط بتنظيمات الإرهاب الكبرى ؛ و أصبحت الحسابات به معقدة لدرجة كبيرة لا تشير إلى رؤية قريبة فى الأفق لوقف العنف .
نجحت الدولة خلال الفترة الماضية فى إجهاض غالبية مخططات العنف للجماعة ، ووجهت ضربات قوية لتكويناتها المسلحة..و لكن لازالت الجماعة تستخدم آلتها الإعلامية لنشر دعاوى الفوضى والتحريض باستخدام سلاح الشائعات..فى تقديرك إلى أي مدى تستطيع الجماعة أن تحقق مستهدفها فى هذا الإتجاه !؟
- الجماعة الآن تتجه إلى مستوى جديد من مستويات الصراع يسمى "الحروب الهجينة" ، و هى وثيقة الصلة بحروب "الجيل الخامس".
- و تعتمد على دمج و توظيف كامل لأنواع مختلفة من القوى مسلحة و معنوية و اقتصادية و إعلام مضاد و شائعات و حملات تشكيك و عداء للسلطة و تذكية الخلاف المذهبي و الطائفي والعرقي ـ والأخيرة لم تنجح فيها الجماعة ب (مصر) على خلاف الوضع بدول أخرى ـ
هذا المستوى من الحروب تم تطبيقه في انتفاضات الربيع العربي ، و أحد أهم مؤشرات التحول الراهن في طبيعة هذا النوع من الصراع ما يسمى بـ"ضعف الولاء" للدولة الوطنية ، حيث تعمل الجماعة وفقا لدور محدد على تأجيج الاختلاف المذهبي والإثني ؛ سعيا لاختراق الدولة الوطنية و دفع مكوناتها المجتمعية للصراع على أساس إثني أو قبلي أو عقائدي ؛ يبرر محاولات الخروج عن سيطرة الحكومة المركزية ، و يعمل ضدها تحت زعم الدفاع عن مذاهب أسمى ، نجحت في ذلك في(سوريا) و (ليبيا) ، و تسعى إلى ذلك فى (مصر) من خلال الشائعات و حملات التشكيك فى أى جهود تبذلها الدولة فى كافة المجالات ؛ لنشر اليأس و الإحباط و إضعاف الانتماء ؛ بهدف إسقاط الدولة..
هذه النوعية من الحروب بسبب طبيعتها كحروب شبكية لا يوجد فيها مركز قيادة يبلور الهيكل المؤسسي للأطراف التي تخوض الصراع ؛ بحيث يعملون بصورة لا مركزية تناسب نسق علاقات أطراف الصراع الإقليمي من ناحية ، و حالة التفكك التنظيمي التي عليها الجماعة فى هذه المرحلة من ناحية أخرى ،
و على الدولة مواجهة حروب "الجيل الخامس" بخطة شاملة تشمل : التدابير الأمنية و بناء التحالفات المضادة على المستوى الداخلي و الإقليمي ، و الأهم تبنى استراتيجيات تعمل على رفع الوعى العام للمجتمع لتحصينه ضد مخاطر الدعاوى المغرضة التي تستهدف إسقاط الدولة ،كما تتضمن الاستثمار في تكنولوجيا المراقبة و الرصد و توظيف تكنولوجيا المعلومات في عمليات التحليل و التنبوء.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة