أتذكر تلك الأيام فى صحراء الوادى الجديد، والتي كنا نقيم فى الخيمة الصغيرة، ووراء باب الخيمة كنا نحفر حفرة نضع فيها المياه انتظارا لوقوع اللصوص بها، ورغم أننا كنا نضع جزءا كبيرا من المياه التى نحملها في الحفرة، حتى يغرق اللص القادم " والذى لا يأتي أبدا"، إلا أن الحفرة كانت ترفض الاحتفاظ بالمياه بمجرد أن نعطيها ظهرنا ونخرج لنستكمل رحلتنا، ولم ننسى أيضا أن نملأ علب السمن الفارغة بالرمال ونضعها فوق الباب أيضا، كنوع من الحيل والشراك للأعداء، كنا نخطط لحماية خيمتنا ورحلتنا، وهى الرحلة المكررة لمقابر البجوات بمحافظة الوادى الجديد، تلك الأسطورة التي كنا نعيشها ونحن أطفال ونخطط فيها كيف سنمر من الغفير لنرى المقابر، ونصيح بأسمائنا في البئر، ونرى النقوش على الجدران ونقف مذهولين أمام تلك النقوش، وكل منا يفسرها بطريقته وعقله.
في صحراء البجوات، نترك الخيمة والأكل والشرب، ونصعد الغرد "جبل صغير"، نجرى في الشمس الحارقة قبل صلاة الجمعة، نجرى ونجرى ثم نقرر فجأة أن نتدحرج من الجبل لأسفل، كنا ننظر لأسفل ونقرر فجأة أن ننزل أسفل الغرد، فيأخذك الجبل لأسفل، ونأخذ بأقدامنا من الرمل مايعمينا، فتجعلنا نسقط ، ولا أعرف وقتها كيف توفر لنا هذا المجهود الذى ينزل بنا أسفل الغرد ويصعد عشرات المرات، لا نتوقف حتى نرى الورندة " الورل وهو حيوان صحراوى يشبه السحلية ولكنه مؤذى"، نجرى ورائها وهى تجرى وترفع زيلها، فيقول كبيرنا:" لا تلمسوا زيلها حتى لا نموت في الحال"، نخاف منها ونقترب، حتى يستطيع أحدنا أن يضربها بحجر فتسقط ونتراص حولها مدركين أن تلك فريسة سنضعها فوق خيمتنا علامة للانتصار، أو نضعها في شجرة القرية إعلانا برحلة الصيد الموفقة، حيث يراها أهلنا وأهل القرية فيحكون عنا ونحن نلعب في الشارع ويقولون :" ولادنا اصطادوا ورندة".
كنا نصطاد الورندة، ونضعها على أكتافنا، ثم نذهب لاستكمال رحلة البحث عن المجهول، لا نعرف ما هدف الرحلة، لكننا جميعا نعلم مكان ذلك الكهف وتلك المغارات، يدخل كل منا في فوهة داخل الأرض، ويعلم أن هناك يقبع الكنز المدفون، مع الوقت وتكرار الرحلة لم نجد شيئا، فاقتنعنا أن الأمر يحتاج معدات لا نمتلكها الآن، حاولنا جاهدين أن نردم الحفر حتى تظل محتفظة بكنوزها لنا حتى نكبر، لكن طاقة الأطفال لم تكن في مستوى لغز الحفر، حتى جاء ذلك الوقت الذى رأينا فيه المعدات تردم الحفر، ولم نصدق، هل كان هذا الردم بهدف الإبقاء والبحث بعد حين، أم أن هناك أطفال كبار استولوا على تلك الحفر وما فيها، مرت الأيام، وكنا نمر على الحفر ونرى أنها تنتظرنا، حتى جاء فترة وجدنا العمال والمعدات تبدأ في الحفر من جديد، فعلمنا وقتها أن كنزنا لم يعد ينتظرنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة