من الأمور المُسلّم بها فى معركتنا مع الإرهاب والجماعات الإرهابية وفى مقدمتها جماعة الإخوان، أنها معركة فكرية فى المقام الأول قبل أن تكون معركة مسلحة بين ميليشيات إرهابية غادرة وبين قواتنا المسلحة الأبية أو أجهزة الشرطة الباسلة، فما حمل أى إرهابى سلاحا ولا تحول إلى قاتل إرهابى إلا عبر فكرة مغلوطة قرأها فى كتاب أو تلقاها فى درس دينى أو خطبة جمعة، أو تابعها عبر الفضاء الإلكترونى ومنصات التواصل الاجتماعى، حيث لا رقابة ولا متابعة، ولقد كانت دار الإفتاء المصرية بقيادة الأستاذ الدكتور شوقى علام، مفتى جمهورية مصر العربية، فى مقدمة المؤسسات الدينية التى أدركت أهمية وقيمة سلاح الفكر وتصحيح المفاهيم فى هذه المعركة، وأدركت أن الطريقة المثلى لمواجهة هذه الجماعات المتطرفة وفى مقدمتها جماعة الإخوان، هى نشر الأفكار الوسطية النابعة من موروثنا الوسطى المعتدل الذى حمل رايته عبر التاريخ رجال وعلماء الأزهر الشريف جيلا بعد جيل، والشىء الذى تميزت به دار الإفتاء المصرية فى هذه المواجهة، أنها نحت منحى المؤسسية والتخصص والتعاون والمشاركة مع كل المؤسسات والأطياف الوطنية، والذى يميز تجربة دار الإفتاء أيضا أنها كانت جريئة فى الحق، وصريحة فى الجهر به، وواضحة فى الانحياز لقضايا الوطن، إذ اعتبرت أن الموقف الوسط فى قضايا الوطن خيانة لا تغتفر، فكان بيانها واضحا لا لبس فيه ولا غموض، أما عن المؤسسية فقد أنشأت دار الإفتاء المصرية وحدات متخصصة لها وظائف محددة تتكامل فيما بينها، لتصل إلى هدف واحد ألا وهو تعرية هذه الجماعات ونزع رداء الدين الذى تتخفى وراءه وتزوّر الحقائق من خلاله، فقامت دار الإفتاء المصرية بإنشاء مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية، وهذا المرصد هو جهاز إعلامى مكون من فريق عمل متخصص له خبرة كبيرة فى رصد أفكار هذه الجماعات، ووظيفته الأساسية متابعة كل ما تنشره وتروجه هذه الجماعات من أفكار مسمومة سواء فى كتب أو نشرات ورقية أو إلكترونية أو حتى فى قنوات الإخوان التى تبث من خارج البلاد، ويعد مرصد الفتاوى الشاذة والتكفيرية مصدرا مهما لكل المهتمين ومتخذى القرار للوقوف على ما وصلت إليه هذه التنظيمات من تطرف وشرود وشذوذ عن الحق، ثم يقوم المرصد بعد ذلك بتصنيف وترتيب هذه الفتاوى والأفكار، من أجل الرد عليها وتفكيكها بطرق وأساليب مختلفة، وقد تعاظم دور مرصد الفتاوى التكفيرىة بعد ارتفاع وتيرة عنف التنظيمات الإرهابية، وبعد أن استيقظ الغرب على فاجعة الإرهاب التى استوطنت أرضه، والذى ظنَّ أنه ناجٍ منها، فأصبح يتجرع مرارة تلك الأفعال الإرهابية التى أنكرها غير عابئ بها وظن أنه قادر على إبادتها عسكريا، ليفيق على أن هناك ضلعا ثالثا فى مثلث العلاج غير مكتمل، وأن هذا الضلع هو الأقوى، إذ إنه يمثل قاعدة المثلث الذى من خلاله يستطيع القضاء على ظاهرة الإرهاب، وهذا الضلع الغائب هو صميم عمل المرصد التكفيرى، وبعد أن أيقن الغرب أن العمل العسكرى لن يؤتى ثماره وحده استشعر أهمية العلاج، وبما أنه يفتقد إلى آليات العلاج الفكرى لعدة أسباب أهمها الدين واللغة والتواصل واختلاف الثقافات، فكان عليه أن يستعين بأهل الخبرة، أو ما يسمى بيوت الخبرة فى هذا المجال، ومن بين تلك المراكز البحثية يأتى مرصد دار الإفتاء، ليجدوا عنده علاج تلك الظاهرة التى أصبحت مثار رعب وذعر فى الغرب، وكان للمرصد فضل السبق فى التصريح باسم جماعة الإخوان كجماعة إرهابية تعمل على تقويض الأمن والسّلم المجتمعى، فى أكثر من بيان ومنشور، ما شجع العديد من المراصد والمؤسسات الدينية الأخرى فى كشف حقيقة جماعة الإخوان باسمها وجرائمها عبر التاريخ.
ونتيجة لتزايد أعمال العنف والتخريب على المستويين المحلى والعالمى، نشأت ظاهرة الإسلاموفوبيا، والتى تعنى الخوف أو التخويف من الإسلام وتزايد الكراهية ضده وضد المسلمين فى الغرب بطبيعة الحال، ومن ثم انتشار أعمال العنف وحملات التمييز ضد المسلمين، والتى وصلت إلى حد المطالبة بتطهير المجتمعات الأوروبية والأمريكية من المسلمين ومنع هجرتهم إليها، ويتكون المرصد من ثلاثة أقسام رئيسية، هى أولا: الرصد، ثانيا: الدراسة والتحليل، ثالثا: التنسيق والتواصل الخارجى، حيث يقوم قسم الرصد بمتابعة كل الأحداث المتعلقة بالإسلاموفوبيا، من أجل دراستها وتحليل أسبابها عن طريق قسم البحث والتحليل، ولا شك أن معالجة ظاهرة الإسلاموفوبيا تتطلب جهدا كبيرا من المرصد من أجل التواصل مع المؤسسات الإعلامية والمراكز البحثية فى الدوائر الغربية، حتى تصل لها ومن خلالها أيضا رسالة التسامح الإسلامى وحصر العنف والإرهاب فى أفكار بعض المتطرفين، وهذا يحدث فى كل دين، ولا شك أن إيصال رسالة المرصد باللغات الأجنبية المختلفة كان داعما لهدفه الأسمى، وهو تصحيح صورة الإسلام فى عيون الغرب، لذلك قام المرصد بترجمة العديد من النشرات والإصدارات المهمة باللغات الإنجليزية والفرنسية والألمانية كمرحلة أولى، يعقبها إضافة لغات أخرى من خلال فريق من الباحثين والمترجمين المتخصصين فى هذا المجال، واستغلال صفحات التواصل الاجتماعى ووسائل الإعلام العالمية فى نشر رسائل المرصد، ورده على حملات الكراهية التى تظهر فى هذه الوسائل والوسائط.
مركز الدراسات الاستراتيجية.. أنشات دار الإفتاء المصرية مركز الدراسات الاستراتيجية لقضايا التشدد والتطرف، خاصة فكر جماعة الإخوان الإرهابية عبر تاريخها الطويل منذ نشأة التنظيم السرى وحتى يومنا هذا، ومتابعة التفرعات الفكرية لهذه الجماعة، والمركز يعنى بشكل خاص بإصدار أبحاث علمية متخصصة تتناول الظواهر المختلفة لهذه الجماعات ليس على المستوى الدينى أو الفقهى فقط وإنما على المستوى السياسى والأمنى والاجتماعى أيضا، بواسطة نخبة من الباحثين المتخصصين والمهتمين بهذا الشأن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة