«العالم قبل فيروس كورونا ليس هو نفسه العالم بعده»، مقولة أطلقت مبكرا منذ ظهور فيروس كوفيد19، والقصد هنا ليس فقط التحولات فى مجالات الصحة والعلاج واللقاحات، ولكن فى الاقتصاد وربما فى السياسة.
طبيا وعلميا هناك اختلافات واسعة بين العلماء والخبراء والأطباء حول طبيعة الفيروس وتأثيراته وكيفية العدوى، ثم إن الفيروس يغير من مفهوم المنظومات الطبية فى الدول، خاصة بعد أن ضرب الفيروس أنظمة طبية فى دول متقدمة، وأجبر الحكومات على اتخاذ إجراءات حجر منزلى على مئات الملايين فى العالم، ولم يكن قرار العزل والحجر حلا نهائيا، لكنه توصية تاريخية من تجارب الأوبئة التى سبق لها وهاجمت البشر وقتلت ملايين.
هناك دول اتخذت قرارات بالإغلاق التام، وحظر التجول، ودول أخرى مزجت بين التباعد والإغلاق الجزئى، والنتيجة النهائية كانت أن كل الدول أصابها الفيروس، وانتشر بدرجات متفاوتة، وعاد أطباء أوروبا ليوقعوا بيانا يعتبرون فيه الإغلاق التام خطرا لا يقل عن خطر الفيروس، ويعددون أضراره النفسية والعقلية، فضلا عن الأضرار الاقتصادية، ملايين فقدوا وظائفهم، وملايين أصابهم هلع تجاوز خطر الفيروس، واعترفت منظمة الصحة العالمية بأن الإغلاق التام كان خطأ.
اقتصاديا خسرت بعض الأنشطة خسائر ضخمة وتعرضت شركات الطيران والسياحة لما يشبه الإفلاس بعد توقف حركة الطيران كليا لمدة 6 أشهر، وجزئيا لعدة أشهر أخرى، ولا تزال حركة السفر محدودة، شركات السياحة هى الأخرى تعرضت لخسائر ضخمة، واضطرت لصرف العمالة، وتقليص النفقات، قطاعات مثل الإنتاج الغذائى والزراعة والنقل تأثرت بالحجر والإغلاق، وواجهت دول كبرى نقصا حادا فى الغذاء.
سياسيا تحول فيروس كورونا إلى مجال لتصفية الحسابات بين الدول الكبرى، فقد استغله الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، لتوجيه اتهامات للصين بأنها وراء تفشى الفيروس بسبب تأخرها فى الإعلان عن الفيروس عند ظهوره، واتهم منظمة الصحة العالمية بالتواطؤ مع الصين، لكن بكين ردت بأن ترامب يحاول تسييس الأزمة، واستغلال الفيروس لتطوير حروبه التجارية، وأنه يحاول التغطية على الفشل فى مواجهة الفيروس.
السياسة نفسها كانت جزءا من صراع انتخابى بين الرئيس الحالى والمرشح الجمهورى ترامب ومنافسه الديمقراطى جو بايدن، استغل الديمقراطيون أزمة كورونا، ليشنوا هجوما على ترامب ويتهموه بالفشل فى مواجهة فيروس كوفيد 19، والتهوين من شأنه حتى انتشرت الإصابات، فضلا عن الفشل فى التوصل إلى لقاح للفيروس حسب وعده.. ترامب رد على الديمقراطيين واتهمهم بالابتزاز وأنهم يستغلون خطرا عالميا لتحقيق مكاسب سياسية. استطلاعات الرأى إحدى أدوات السياسة والمنافسة فى أمريكا دائما، وبالفعل أعلن الديمقراطيون وإعلامهم أن شعبية ترامب تراجعت وأن فرصته فى الفوز ضعيفة، بينما يرد ترامب متهما الإعلام بالانحياز والدعاية.
السياسة لم تغب عن كورونا، وفى بريطانيا تعرض رئيس الوزراء بوريس جونسون لهجوم من المعارضة عندما أعلن أن الفيروس سوف يستمر لحين تحقيق «مناعة القطيع»، وبدا جونسون صادما وهو يعلن فى خطابه خلال مارس الماضى أن على البريطانيين الاستعداد لوداع محبيهم، رأى جونسون بدا صادما، لكنه مع الوقت بدا رأيا يتبناه كثير من العلماء والأطباء.
جونسون نفسه أصيب بكورونا، وولى العهد تشارلز، وعدد من السياسيين والوزراء فى بريطانيا والولايات المتحدة آخرهم الرئيس دونالد ترامب، الذى تعافى بسرعة وخرج ليواصل حملته الانتخابية، بما يخلط بين مناعة السياسة ومناعة القطيع.
ومن السياسة إلى البيئة، فقد أعلن عدد من خبراء البيئة والمناخ، أن الأرض خلال شهور الإغلاق وتوقف الطيران والنقل، شهدت تراجعا فى نسبة الانبعاث الحرارى بما قلل من ثقب الأوزون، وساهم فى تنظيف الهواء فى العالم، ومؤخرا أعلن عدد من الباحثين فى البيئة أن إحدى فوائد التباعد الاجتماعى والإغلاق أن الإنسان يتعرض لقدر أقل من الضوضاء البيئية، ويبقى فيروس كورونا أكثر من مجرد فيروس، وينتظر أن يترك الكثير من الآثار السياسية والاجتماعية فى العالم.