رائعة هي المبادرات الصحية التي تبنتها الحكومة المصرية فى الفترة الأخيرة، خاصة منذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي سدة الحكم، خاصة وأننا كنا نفتقد من قبل مثل تلك المبادرات التي تهتم أولا بصحة الفرد، وتولي الإنسان عناية لم تكن محل أولويات الحكومات السابقة.
الآن أصبح لدينا مبادرات «100 مليون صحة لعلاج الأمراض المزمنة، وعلاج سرطان الثدي، والكشف عن فيروس سي وغيرها من الأمراض» وكلها تحت رعاية واهتمام الرئيس شخصيًا.
منذ أسابيع قليلة، كتب الدكتور حاتم حافظ، أستاذ المسرح بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ومقرر لجنة المسرح بالمجلس الأعلى للثقافة، على صفحته الشخصية بموقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» منشورًا قال فيه «محتاجين يعملوا لنا حملة ١٠٠ مليون صحة نفسية» في البداية نظر بعضنا لـ«البوست» بسخرية، واستخدم البعض «الرياكت الضاحك»، لكنني ظللت أفكر في المعنى الذي أراده «حافظ» من تدوينته فالأمر ملح للغاية بالفعل.
مرت الأيام وخلال ندوة عقدت نهاية سبتمبر الماضي، بالمجلس الأعلى للثقافة، تحدث فيها عالم الطب النفسي الشهير الدكتور أحمد عكاشة، ومستشار رئيس الجمهورية للصحة النفسية، قائلا: «إن أزمة فيروس كورونا ستخلف أمراضًا نفسية لا حصر لها، بسبب الحظر الذي حدث، وستصبح الروح المعنوية منخفضة، كما أن كورونا تصيبنا بالتصحر العاطفي»، تأكدت حينها أننا في أمس الحاجة إلى مبادرة للصحة النفسية، وعرفت أن كلام الدكتور حاتم حافظ سالف الذكر لم يكن على سبيل الدعابة وكانت رؤيته صحيحة تمامًا.
بحسب الإحصاءات الرسمية، فإن نحو 25% من المصريين يعانون مشاكل نفسية، وهي نسبة كبيرة وتفسر طبيعة تعامل المصريين مع الصحة النفسية، فالمصريون لا يحبون التعامل مع الأطباء النفسيين، والبعض يرى الذهاب إلى طبيب نفسي «وصمة عار»، وأصبحت الأفكار المغلوطة عن الطب النفسي في مصر كثيرة، حتى أن هناك من يصف مستشفيات الصحة النفسية بـ«سراي المجانين» ويفضلون الذهاب إلى الدجالين عن الأطباء النفسيين، والأغرب من كل ذلك أن هناك من يشعر بتعب نفسي فيلجأ إلى طبيب مخ وأعصاب كمثال وليس الطبيب النفسي!
الأمر نفسه خلق أجيالًا مشوهة نفسيًا، وجعل الكثير يعانون من أزمات نفسية لا حصر لها، وهم متواجدون بالمناسبة حولنا في كل مكان تقريبا، وأصبح الكثير من الناس نظرتهم للأمور متناقضة ومريبة للغاية، فالذي رأى فيديو لإحدى الراقصات البرازيليات وتفاعل معه، هو نفسه من تجهم واندفع للدفاع عن إذاعة القرآن الكريم بعد السخرية منها!
أعتقد أننا شعب واجه الكثير الصعوبات، ومرت عليه الكثير من المصائب، جعلته فى حاجة ماسة للاهتمام بصحته النفسية، وأصبح من الضروري تغيير ثقافتنا عن الطب النفسي والتعامل مع الأطباء النفسيين، وبقى من الأفضل أن يكون لأنفسنا جزء خاص من الاهتمام والرعاية. وأرى أن مبادرة رسمية تتبناها الحكومة ووزارة الصحة هي خطوة مهمة في تعديل ثقافتنا تجاه هذا النوع من الطب، وأتصور أن وجود مستشار رئيس جمهورية للصحة النفسية، هي فرصة جيدة للمضي قدما في تفعيل مثل هذه المبادرات التي ستغير كثيرًا من تعاملنا مع الحياة، فكريًا ونفسيًا وحتى فنيًا وثقافيًا.