المناظرات والاستطلاعات، هى إحدى أبجديات الانتخابات الأمريكية، وتمنحها حيوية، وإن كانت لا تُغيِّر من الأمر شيئًا، ولا تُظهِر أىَّ مفاجآت فى السباقات بين الجمهوريين والديمقراطيين، وتبادل السلطة والأغلبيات بينهما فى الرئاسة والكونجرس، وتبقى عشرات الأحزاب الأخرى مجرد مكمل سياسى، والأمر ذاته فيما يتعلق بالمناظرات، فالمنافَسة محصورة فى النخبة المكونة من الحزبين الكبيرين.
مناظرات المرشحَيْن فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية، «دونالد ترامب، وجو بايدن»، تحظى بمتابعة من العالم كله، وليس الأمريكيين فقط، بالرغم من أن المناظرة موجهة بالأساس للناخب الأمريكى، وتلقى اهتماما عالميا، ويسهر الناس فى أنحاء الأرض لـ«الفُرجة» على المناظرة، ربما لهذا يصر كثيرون على رسم توقعات أو تحليلات لما يجرى، بُناءً على ما هو معلن، ويفرطون فى توقع نتائج، بينما هناك دائما مفاجآت تصنعها تفاعلات متعددة، تجعل بعض التوقعات مجرد رأى.
المناظرات تنشط الإعلام فى زمن تتراجع فيه وسائل الإعلام التقليدية لصالح مواقع وأدوات التواصل الاجتماعى، ولم تكن علاقة الرئيس دونالد ترامب بالإعلام جيدة طوال مدة رئاسته، لدرجة أنه دخل فى الكثير من المصادمات مع الإعلام، واتهم بعض الصحف والقنوات بالانحياز والتواطؤ، ولجأ إلى وسائل التواصل، خاصة «تويتر»، ليعبر عن نفسه وينشر تصريحاته، «ترامب» هو أكثر رؤساء الولايات المتحدة اشتباكا مع الإعلام، وإدلاءً بتصريحات مباشرة، وليس عن طريق مساعدين وناطقين صحفيين.
«ترامب» يبدو أحيانًا رئيسًا مناسبًا لعصر السوشيال ميديا والتريند، حيث نجح مرات فى أن يوجه اتهامات للإعلام بالفساد والتواطؤ، لكن الإعلام نجح مرات فى السخرية منه وكسر هيبته كرئيس للولايات المتحدة، وهو إعلام بدا منذ إعلان ترشح «ترامب» منحازا ضده، واستطلاعات الرأى كلها كانت لصالح هيلارى كلينتون التى خسرت ومعها الديمقراطيون، ووظّفَ «ترامب» تراجع الاقتصاد الأمريكى، وانتشار الإرهاب، فى مضاعفة ضرباته للديمقراطيين.
المناظرات واستطلاعات الرأى إحدى أهم الألعاب التى تميز انتخابات الولايات المتحدة، وإن كانت الاستطلاعات فقدت الكثير من تأثيرها وحجم الثقة فيها، منذ الانتخابات السابقة، والتى أتت بـ«ترامب» رئيسا لأمريكا، فقد كانت أغلب الاستطلاعات تتوقع فوز هيلارى كلينتون، لكن النتيجة جاءت على عكس هذه الاستطلاعات، والأمر نفسه فيما يتعلق بالمناظرات التى لا تغير من قناعات المنحازين، لكنها تؤثر فى الصورة العامة للمرشح، وتضاعف من حالة التسلية والجدل السياسى.
فى المناظرة الأخيرة، يوم الخميس، بدا «ترامب» أكثر ثقة، ويبدو أنه استفاد من تجربة إصابته بفيروس كورونا، ومع أن الفيروس هو القضية التى وظفها الديمقراطيون، فقد عجز «بايدن» عن تصعيدها، وكرر اتهامه لـ«ترامب» وإدارته بالفشل فى مواجهة فيروس كورونا، «دونالد» رد متمسكا بعدم الإغلاق، فيما بدا «بايدن» عاجزا عن تقديم بديل.
«بايدن» كرر الإشارة إلى التدخلات الروسية والصينية والإيرانية فى الانتخابات الأمريكية، وهى نقطة تضعف من موقف الديمقراطيين لأنهم طوال سنوات لم يقدموا دليلا على التدخلات الروسية، فضلًا عن أنها نقطة تُظهَر أمريكا فى صورة الدولة العظمى الشاكية، ثم إن «ترامب» رد بأن التدخلات - لو حدثت - فقد جرت تحت إدارتهم.
«بايدن» بدا فى المناظرة الأخيرة معارضًا أكثر منه منافسًا، من دون تقديم سياسات بديلة، و«ترامب» يركز على تخويف الأمريكيين مما يصفقه بالاشتراكية وهو يخاطب الرأسماليين، لكنه يخسر الطبقات الوسطى التى تطلب سياسات اجتماعية وصحية، الديمقراطيون يراهنون أكثر على المهاجرين، والأقليات، و«ترامب» يرى أنه كسب اللوبى اليهودى بما قدمه من دعم لإسرائيل، وقال لـ«بايدن» إنه لم يقدم حلولا لقضايا العنصرية أو غيرها وهو نائب لـ«أوباما» سنوات.
الشاهد أن المناظرات والاستطلاعات جزء مهم من لعبة سياسية تُختزل بين الديمقراطيين والجمهوريين، وتمنح السباقات السياسية تشويقا، وإن كانت لا تغير كثيرًا من لعبة تحكمها توازنات وأموال ومفاجآت، تتجاوز كثيرا توقعات حاسمة، بصرف النظر عن انحيازات لا تغير من الواقع كثيرًا.