لم يعد يمر يوم دون إعلان نتائج استطلاعات للرأى حول الانتخابات الأمريكية، وكلما اقتربت ساعات الحسم تضاعفت الاستطلاعات، والتى تنطلق من منصات متعددة، بعضها معروف والآخر مجرد عنوان على مواقع التواصل، والتى تلعب دورا فاعلا فى نشر الاهتمامات وتحديد الأولويات. وبالطبع فإن المواطن فى الولايات المتحدة أو خارجها لا يتابع الانتخابات الأمريكية فقط، لكنه يتابع مئات الموضوعات والعناوين التى تتعلق بأحداث عالمية وإقليمية ومحلية، والبعض يشارك فى بوستات وهاشتاجات، تفرضها الجهات التى ترسم خرائط الاهتمامات فى «السوشيال ميديا».
التسويق السياسى أحد أهم ملامح النموذج الأمريكى، استنادا إلى مدارس التسويق فى عالم الرأسمالية، والتى تعتمد دائما على التضخيم وابتكار أشكال وحيل لترويج السلع، بصرف النظر عن جودتها، وهو ما يجرى فى عالم المتنافسين الرئيسيين فى الانتخابات الأمريكية ترامب وبايدن، حيث تلعب حملتا المرشحين دورا مهما، من خلال لجان إلكترونية وخبراء تسويق، يقدمون نصائحهم للمرشحين، فى المناظرات أو المؤتمرات. وحتى استطلاعات الرأى هى جزء من حملات التسويق أكثر منها استطلاعات للرأى العام، وهو قطاع يحمل قدرا من الغموض، ويصعب تعريفه بشكل حاسم.
استطلاعات الرأى بعضها جزء من حملات التسويق السياسى لمرشح أو حزب، حيث توجد بعض القواعد النفسية تعتمد على أن بعض الأصوات الشاردة غير المتحزبة، قد تتجه نحو المرشح المتقدم والمتوقع فوزه، وهو ما ظهر فى الانتخابات الأمريكية السابقة، والتى ألحت فيها استطلاعات الرأى على فوز هيلارى كلينتون، بينما فاز ترامب وحقق مفاجأة. وتتكرر استطلاعات الرأى التى تتوقع نجاحا كاسحا لجو بايدن والديمقراطيين، رغم أن تقديرات المناظرات والمؤتمرات تشير إلى شبه تعادل بين المرشحين، مع استمرار تركيز بايدن على كورونا بوصفه النقطة الأكثر إيلاما لترامب.
بالطبع فإن المواطن من سكان مواقع التواصل لا يرى الانتخابات فقط، لكنه يتعامل ويتعرض لعشرات العناوين والموضوعات، التى لا تتركز فيها الجدية، بل أن النميمة والعناوين التافهة غالبا ما تتصدر القضايا ذات الأولوية فى العرض والاهتمام من قبل مستخدمى السوشيال ميديا، فكل منهم لديه صفحة أو حساب يتلقى ويبث الموضوعات، منها العناوين السياسية أو الانتخابية، بل إن بعض استطلاعات الرأى تتم بين مستخدمى مواقع التواصل ويتقدم فيها الأكثر قدة على الحشد وليس الأقوى بالفعل، ورغم أن أدوات التواصل صارت جزءا من أدوات تبادل الرأى إلا أنها تتضمن قدرا من التشويش والسطحية، بجانب قدر من الجدية. ضمن تحولات السلطة فى العالم، والتى لا تخلو من تغيير فى دور وقوة تأثير الإعلام، وتراجعه فى القضايا السياسية والرأى العام.
لم يكن ممكنا تصور رئيس أمريكى يتصادم مع أكبر أدوات الإعلام فى الولايات المتحدة، ويفضل إعلان مواقفه ونشر ومشاركة مؤتمراته وأفكاره فى صورة تغريدات على «تويتر»، وفى المقابل ينعكس الصراع وينتشر المحللون على مواقع التواصل أكثر ممن يتركزون فى الإعلام التقليدى.
وبقدر ما تلعب السوشيال ميديا دورا مهما، وتشغل مساحات من التأثير، فهى أيضا لا تقدم مؤشرات حقيقية أو معلومات حاسمة يمكن الاعتماد عليها، لهذا تختلف عن التحليلات التى يطرحها الإعلام التقليدى من صحف وفضائيات، هى أيضًًا من زاوية أخرى تغذى السوشيال ميديا بالمزيد من الأفكار.